الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لولا

لولا : على أوجه :

أحدها : أن تكون حرف امتناع لوجود ، فتدخل على الجملة الاسمية ، ويكون جوابها فعلا مقرونا باللام إن كان مثبتا ، نحو : فلولا أنه كان من المسبحين للبث [ الصافات : 143 - 144 ] . ومجردا منها إن كان منفيا ، نحو : ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا [ النور : 21 ] وإن وليها ضمير فحقه أن يكون ضمير رفع ، نحو : لولا أنتم لكنا مؤمنين [ سبإ : 31 ] .

الثاني : أن تكون بمعنى ( هلا ) فهي للتحضيض والعرض في المضارع أو ما في تأويله ، نحو : لولا تستغفرون الله [ النمل : 46 ] . لولا أخرتني إلى أجل قريب [ المنافقون : 10 ] ، وللتوبيخ والتنديم في المضارع ، نحو : لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء [ النور : 13 ] . فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله [ الأحقاف : 28 ] . ولولا إذ سمعتموه قلتم [ النور : 16 ] . فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا [ الأنعام : 43 ] . فلولا إذا بلغت الحلقوم [ الواقعة : 83 ] . فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين [ الواقعة : 86 - 87 ] .

الثالث : أن تكون للاستفهام ، ذكره الهروي ، وجعل منه : لولا أخرتني [ المنافقون : 10 ] لولا أنزل عليه ملك [ الأنعام : 8 ] والظاهر أنها فيهما بمعنى ( هلا ) .

الرابع : أن تكون للنفي ، ذكره الهروي أيضا ، وجعل منه : فلولا كانت قرية آمنت [ يونس : 98 ] ، أي : فما آمنت قرية ، أي : أهلها ، عند مجيء العذاب فنفعها إيمانها . والجمهور : لم يثبتوا ذلك .

[ ص: 529 ] وقالوا : المراد في الآية التوبيخ على ترك الإيمان قبل مجيء العذاب ، ويؤيده قراءة أبي ( فهلا ) . والاستثناء حينئذ منقطع .

فائدة : نقل عن الخليل : أن جميع ما في القرآن من ( لولا ) فهي بمعنى ( هلا ) إلا فلولا أنه كان من المسبحين [ الصافات : 143 ] ، وفيه نظر ، لما تقدم من الآيات .

وكذا قوله : لولا أن رأى برهان ربه [ يوسف : 24 ] . لولا فيه امتناعية ، وجوابها محذوف ، أي : لهم بها ، أو لواقعها .

وقوله : لولا أن من الله علينا لخسف بنا [ القصص : 82 ] .

وقوله لولا أن ربطنا على قلبها [ القصص : 10 ] أي : لأبدت به ، في آيات أخر .

وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا موسى الخطمي ، أنبأنا هارون بن أبي حاتم ، أنبأنا عبد الرحمن بن حماد ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، قال : كل ما في القرآن ( فلولا ) فهو ( فهلا ) إلا حرفين : في يونس : فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها [ يونس : 98 ] ، يقول : فما كانت قرية ، وقوله : فلولا أنه كان من المسبحين [ الصافات : 143 ] .

وبهذا يتضح مراد الخليل ، وهو أن مراده ( لولا ) المقترنة بالفاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية