الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التنبيه الرابع : باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام :

ولهذا بنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءة في " لمستم " و لامستم [ النساء : 43 ] .

وجواز وطء الحائض عند الانقطاع قبل الغسل وعدمه ، على الاختلاف في يطهرن [ البقرة : 222 ] وقد حكوا خلافا غريبا في الآية ، إذا قرئت بقرائتين ، فحكى أبو الليث السمرقندي في كتاب [ البستان ] قولين :

أحدهما : أن الله قال بهما جميعا .

والثاني : أن الله قال بقراءة واحدة ، إلا أنه أذن أن نقرأ بقراءتين . ثم اختار توسطا ، وهو أنه إن كان لكل قراءة تفسير يغاير الآخر فقد قال بهما جميعا ، وتصير القراءتان بمنزلة آيتين ، مثل حتى يطهرن وإن كان تفسيرهما واحدا ك و البيوت و البيوت [ البقرة : 189 ] فإنما قال بأحدهما ، وأجاز القراءة بهما لكل قبيلة على ما تعود لسانهم .

قال : فإن قيل : إذا قلتم إنه قال بإحداهما فأي القراءتين هي ؟ .

قلنا : التي بلغة قريش . انتهى .

وقال بعض المتأخرين : لاختلاف القراءات وتنوعها فوائد :

منها التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة .

[ ص: 275 ] ومنها إظهار فضلها وشرفها على سائر الأمم ، إذ لم ينزل كتاب غيرهم إلا على وجه واحد .

ومنها : إعظام أجرها ، من حيث إنهم يفرغون جهدهم في تحقيق ذلك وضبطه لفظة لفظة ، حتى مقادير المدات وتفاوت الإمالات ، ثم في تتبع معاني ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ ، وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح .

ومنها : إظهار سر الله في كتابه ، وصيانته له عن التبديل والاختلاف ، مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة .

ومنها : المبالغة في إعجازه بإيجازه ، إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات ، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخف ما كان فيه من التطويل ، ولهذا كان قوله : وأرجلكم [ المائدة : 6 ] منزلا لغسل الرجل ، والمسح على الخف واللفظ واحد ، لكن باختلاف إعرابه .

ومنها : أن بعض القراءات يبين ما لعله مجمل في القراءات الأخرى فقراءة يطهرن بالتشديد مبينة لمعنى قراءة التخفيف وقراءة ( فامضوا إلى ذكر الله ) تبين أن المراد بقراءة فاسعوا [ الجمعة : 9 ] الذهاب لا المشي السريع .

وقال أبو عبيد في " فضائل القرآن " : المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها ، كقراءة عائشة وحفصة : ( والوسطى صلاة العصر ) .

وقراءة ابن مسعود : ( فاقطعوا أيمانهما ) .

وقراءة جابر : ( فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ) .

قال : فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن ، وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين في التفسير ، فيستحسن فكيف إذا روي عن كبار الصحابة ، ثم صار في نفس القراءة ! فهو أكثر من التفسير وأقوى ، فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل . انتهى .

وقد اعتنيت في كتابي " أسرار التنزيل " ببيان كل قراءة أفادت معنى زائدا على القراءة المشهورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية