الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 469 ] ( خاتمة ) في ذكر مسائل من الهمز ، نذكر فيها ما أصلناه من القواعد المتقدمة مع ما ذكره أئمة الأداء ، مع بيان الصحيح من غيره ؛ ليقاس عليها نظائرها فيعرف بها حكم جميع ما وقع في القرآن .

                                                          ( فمن القسم الأول ) وهو الساكن من المتطرف اللازم ( مسألة الوقف على : هي ، ويهي ، ومكر السيئ ) بوجه واحد على التخفيف القياسي ، وهو إبدال الهمزة ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ، وحكي فيها وجه ثان ، وهو الوقف بألف على التخفيف الرسمي كما تقدم ولا يجوز . ووجه ثالث في ( هيئ و يهيئ و نبئ و اقرأ و نشاء ) ونحوه ، وهو التحقيق ؛ لما تقدم من العلة لأبي عمرو ، ولا يصح ، ووجه رابع وهو حذف حرف المد المبدل من الهمزة لأجل الجزم ، ذكره صاحب " الروضة " ، ولا يجوز .

                                                          ومن العارض ( مسألة : إن امرؤ ) يجوز فيه أربعة أوجه ، أحدها : تخفيف الهمزة بحركة ما قبلها على تقدير إسكانها فتبدل واوا ساكنة ، وتخفيفها بحركة نفسها على مذهب التميميين ، فتبدل واوا مضمومة ، فإن سكت للوقف اتحد مع الوجه قبله ، ويتحد معها وجه اتباع الرسم ، وإن وقف بالإشارة جاز الروم والإشمام ، فتصير ثلاثة أوجه ، والوجه الرابع تسهيل بين بين على تقدير روم حركة الهمزة ، ويتحد معه اتباع الرسم على مذهب مكي وابن شريح . وكذلك الحكم في ( يخرج منهما اللؤلؤ ) إلا أن حمزة يبدل الهمزة الأولى منه واوا ، وهشاما يحققها ، وكذلك تجري هذه الأربعة في ( تفتؤ ، واتوكؤا ) ، ونحوه مما رسم بالواو نحو ( الملوا ) في المواضع الأربعة و ( نبأ ) في غير براءة كما تقدم ، ويزاد عليها وجه خامس ، وهو إبدالها ألفا ؛ لانفتاح ما قبلها وسكونها وقفا على التخفيف القياسي مذهب الحجازيين والجادة ، وأما ما رسم بألف نحو ( قال الملأ ) في الأعراف ( ونبأ الذين ) في براءة ، و ( يبدأ ) فوجهان أحدهما إبدالها ألفا بحركة ما قبلها .

                                                          [ ص: 470 ] ( والثاني ) بين بين على الروم ، ولا يجوز إبدالها بحركة نفسها لمخالفة الرسم وعدم صحته ، والله أعلم .

                                                          ومن ذلك ( مسألة : ينشئ ) ، وشبهه مما وقعت الهمزة فيه مضمومة بعد كسر ، قيل : فيها خمسة أوجه ، أحدها إبدال الهمزة ياء ساكنة ؛ لسكونها وقفا بحركة ما قبلها على التخفيف القياسي ، وإبدالها ياء مضمومة على ما نقل من مذهب الأخفش ، فإن وقف بالسكون فهو موافق لما قبله لفظا . وإن وقف بالإشارة جاز الروم والإشمام فتصير ثلاثة أوجه ، والرابع : روم حركة الهمزة فتسهل بين الهمزة والواو على مذهب سيبويه وغيره ، وخامسها : الوجه المعضل ، وهو تسهيلها بين الهمزة والياء على الروم .

                                                          ومن ذلك : ( من شاطئ ، ولكل امرئ ) ، ونحوه ما وقعت الهمزة فيه مكسورة بعد كسر ، يجوز فيها ثلاثة أوجه ( أحدها ) إبدال الهمزة ياء ساكنة بحركة ما قبلها ؛ لسكون الوقف على القياس ، وياء مكسورة بحركة نفسها على مذهب التميميين ، فإن وقف بالسكون فهو موافق ما قبله لفظا . وإن وقف بالإشارة وقف بالروم يصير وجهين ( والثالث ) تسهيل بين بين على روم حركة الهمزة ، أو اتباع الرسم على مذهب مكي وابن شريح ، وتجئ هذه الأوجه الثلاثة فيما رسم بالياء مما وقعت الهمزة فيه مكسورة بعد فتح ، وهو ( من نباءي المرسلين ) كما تقدم ، ويزاد عليها التخفيف القياسي ، وهو إبدالها ألفا لسكونها وقفا وانفتاح ما قبلها ، فتصير أربعة أوجه ، وأما ما رسم بغير ياء نحو ( عن النبإ العظيم ) فليس فيه سوى وجهين : إبدالها ألفا على القياس ، والروم بتسهيل بين بين ، ولا يجوز إبدالها ياء على مذهب التميميين لمخالفة الرسم والرواية ، إلا أن أبا القاسم الهذلي أجاز في ( من ملجأ ) الياء ، فقال فيه بياء مكسورة للكسرة .

                                                          ( قلت ) : وقياس ذلك غيره ولا يصح ، والله أعلم .

                                                          ومن ذلك مسألة ( كأمثال اللؤلؤ ) ، ونحوه مما وقعت الهمزة فيه مكسورة [ ص: 471 ] بعد ضم ، قيل : فيها أربعة أوجه : ( أحدها ) إبدال الهمزة واوا ساكنة لسكونها وضم ما قبلها على القياس ( والثاني ) إبدالها واوا مكسورة على ما نقل من مذهب الأخفش . فإن وقف بالسكون فهو كالأول لفظا فيتحد . وإن وقف بالروم فيصير وجهين ( والثالث ) التسهيل ، وهو مسألة ما بين الهمزة والياء على مذهب سيبويه والجماعة ( والرابع ) الوجه المعضل ، وهو بين الهمزة والواو على الروم ، وأما ما وقعت الهمزة الأخيرة فيه مضمومة نحو ( يخرج منهما اللؤلؤ ) فوجهان ( الأول ) إبدالها واوا ( والثاني ) تسهيل الأخيرة بين بين على الروم كما قدمنا في المسألة الثانية . فإن كانت الأخيرة مفتوحة نحو ( حسبتهم لؤلؤا ) فوجه واحد ، وهو إبدالهما واوين ، الأولى ساكنة لوقوعها بعد ضمة ، ومن ذلك ( بدأ ، وما كان أبوك امرأ ) ونحوه مما وقعت الهمزة فيه مفتوحة بعد فتح ، ففيه وجه واحد هو إبدالها ألفا ، وحكي فيه وجه ثان ، وهو بين بين على جواز الروم في المفتوح كما تقدم ، وهو شاذ لا يصح ، والله أعلم .

                                                          ومن الساكن المتوسط مسألة ( تؤي ، تؤيه ورءيا ) في مريم . فيهن وجهان صحيحان ( أحدهما ) إبدال الهمزة من جنس ما قبلها ، فتبدل في ( توي ، وتويه ) واوا ، وفي ( رءيا ) ياء من دون إدغام ( والثاني ) الإبدال مع الإدغام ، وقد نص على الوجهين غير واحد من الأئمة ، ورجح الإظهار صاحب " الكافي " ، وصاحب " التبصرة " وقال : إنه الذي عليه العمل ، ولم يذكر في " الهداية " ، " والهادي " ، و " تلخيص العبارات " ، و " التجريد " سواه ، ورجح الإدغام صاحب " التذكرة " والداني في " جامع البيان " فقال : هو أولى ; لأنه قد جاء منصوصا عن حمزة ، ولموافقة الرسم ، ولم يذكر صاحب " العنوان " سواه ، وأطلق صاحب " التيسير " الوجهين على السواء ، وتبعه على ذلك الشاطبي ، وزاد في " التذكرة " في ( رءيا ) ، وجها ثالثا ، وهو التحقيق من أجل تغيير المعنى ، ولا يؤخذ به ؛ لمخالفته النص والأداء ، وحكى الفارسي وجها رابعا ، وهو [ ص: 472 ] الحذف ، أي : حذف الهمزة فيوقف بياء واحدة مخففة على اتباع الرسم ، ولا يصح ، بل ولا يحل واتباع الرسم فهو متحد في الإدغام فاعلم ذلك .

                                                          ( وأما الرويا ، ورويا ) حيث وقع فأجمعوا على إبدال الهمزة منه واوا لسكونها وضم ما قبلها ، فاختلفوا في جواز قلب هذه الواو ياء وإدغامها في الياء بعدها كقراءة أبي جعفر ، فأجازه أبو القاسم الهذلي ، والحافظ أبو عمرو ، وغيرهما ، وسووا بينه وبين الإظهار ، ولم يفرقوا بينه وبين ( تؤي ، ورءيا ) وحكاه ابن شريح أيضا وضعفه ، وهو إن كان موافقا للرسم ، فإن الإظهار أولى وأقيس ، وعليه أكثر أهل الأداء ، وحكي فيه وجه ثالث ، وهو الحذف على اتباع الرسم عند من ذكره ، فيوقف بياء خفيفة كما تقدم في ( ريا ) ، ولا يجوز ذلك .

                                                          ومن ذلك ( مسألة : فاداراتم ) فيه وجه واحد ، وهو إبدال الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ، وذكر وجه ثان ، وهو حذف الألف اتباعا للرسم ، وليس في إثبات الألف التي قبل الراء نظر ؛ لأنها غير متعلقة بالهمزة ، وذكر الحذف أيضا في ( امتلات واستاجرت ويستاخرون ) من أجل الرسم وليس ذلك بصحيح ولا جائز في واحد منهن ، فإن الألف في ذلك إنما حذفت اختصارا للعلم بها كحذفها في ( الصالحات ، والصالحين ) وغير ذلك مما لو قرئ به لم يجز لفساد المعنى ، ولقد أحسن من قال : إن حذف الألف من ذلك تنبيه على أن اتباع الخط ليس بواجب - يعني على حدته - بل ولا جائز ، ولا بد من الركنين الأخيرين : وهما العربية وصحة الرواية ، وقد فقدا في ذلك فامتنع جوازه .

                                                          ومن ذلك ( مسألة : الذي ايتمن ، والهدى ايتنا ، وفرعون ايتوني ) فيه وجه واحد ، وهو إبدال الهمزة فيه بحركة ما قبلها كما تقدم ، وذكر فيه وجه ثان هو التحقيق على ما ذهب إليه ابن سفيان ، ومن تبعه من المغاربة بناء منهم على أن الهمزة في ذلك مبتدأة ، وقد قدمنا ضعفه ، وذكر وجه ثالث ، وهو زيادة المد على حرف المد المبدل ، استنبطه أبو شامة حيث قال : فإذا أبدل هذا الهمز حرف [ ص: 473 ] مد ، وكان قبله من جنسه ، وكان يحذف لأجل سكون الهمزة ، فلما أبدلت اتجه وجهان ، أحدهما : عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه ، وهو الهمزة الساكنة ، فإن الجمع بين حرفي مد من جنس واحد ممكن بتطويل المد ، والوجه الثاني : حذفه لوجود الساكن . قال : وهذان الوجهان هما المذكوران في قول الشاطبي :

                                                          ويبدله مهما تطرف مثله ويقصر أويمضي على المد أطولا

                                                          قال : وينبني على الوجهين جواز الإمالة في قوله تعالى : ( إلى الهدى ايتنا ) لحمزة ولورش أيضا ، فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا ، وإن حذفنا فلا . قال : ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة ، فالاختيار المنع .

                                                          ( قلت ) : وفيما قاله من ذلك نظر ، وإذا كان الوجهان هما المذكوران في قول الشاطبي : ويبدله - البيت - فيلزم أن يجري في هذا ثلاثة أوجه ، وهي المد والتوسط والقصر ، كما أجراهما هناك لالتقاء الساكنين ويلزمه أن يجيز حذف الألف المبدلة كما أجازها ، ثم فيجيء على وجه البدل في ( الذي اوتمن ، ولقانا ايت ) ثلاثة أوجه ، وفي ( الهدى ايتنا ) ستة أوجه مع الفتح وثلاثة مع الإمالة ، ويكون القصر مع الإمالة على تقدير حذف الألف المبدلة ، ويصير فيها مع التحقيق سبعة أوجه ، ولا يصح من كلها سوى وجه واحد ، وهو البدل مع القصر والفتح ; لأن حرف المد أولا حذف لالتقاء الساكنين قبل الوقف بالبدل كما حذف من ( قالوا الآن ، وفي الأرض ، وإذا الأرض ) للساكنين قبل النقل ، فلا يجوز رده لعروض الوقف بالبدل كما لا يجوز لعروض النقل . وأما قوله : إن هذين الوجهين هما الوجهان المذكوران في قول الشاطبي : ويبدله مهما تطرف . . . إلى آخره فليس كذلك ; لأن الوجهين المذكورين في البيت هما المد والقصر في نحو ( يشاء ، والسماء ) حالة الوقف بالبدل كما ذكر فهما من باب : وإن حرف مد قبل همز مغير ، لا من أجل أن أحدهما كان محذوفا في حالة ورجع في حالة أخرى ، وتقدير حذف إحدى الألفين في الوجه الآخر هو على الأصل ، فكيف يقاس عليه ما حذف من حرف المد للساكنين [ ص: 474 ] على الأصل قبل اللفظ بالهمز مع أن رده خلاف الأصل ، وأما الإمالة فقد أشار إليها الداني في " جامع البيان " كما سيأتي في آخر الإمالة ، ومن القسم الثاني وهو المتحرك فمن المتطرف بعد الألف ( مسألة : أضاء ، و شاء ، و يسفك الدماء ، و ترثوا النساء ) ونحو ذلك مما الهمز فيه مفتوح ، ففيه البدل ، ويجوز معه المد والقصر ، وقد يجوز التوسط كما تقدم ، فبقي ثلاثة أوجه ، وحكى فيه أيضا بين بين كما ذكرنا ، فيجيء معه المد والقصر ، وفيه نظر فيصير خمسة ، وتجيء هذه الخمسة بلا نظر فيما كانت الهمزة من ذلك فيه مكسورة أو مضمومة مما لم يرسم للهمز فيه صورة . فإن رسم للهمز فيه صورة جاز في المكسور منه نحو ( وإيتاي ذي القربى ، ومن آناي الليل ) إذا أبدلت همزته ياء على وجه اتباع الرسم . ومذهب غير الحجازيين مع هذه الخمسة أربعة أوجه أخرى . وهي المد ، والتوسط ، والقصر مع سكون الياء ، والقصر مع روم حركتها ، فتصير تسعة أوجه ، ولكن يجيء في ( وايتاي ) ثمانية عشر وجها باعتبار تسهيل الهمزة الأولى المتوسطة بزائد وتحقيقها ، ويجيء في ( ومن آناي ) سبعة وعشرون وجها باعتبار السكت وعدمه والنقل ، وجاز في المضموم منه نحو ( أنهم فيكم شركوا ، وفي أموالنا ما نشوا ) مع تلك التسعة ثلاثة أوجه أخرى وهي المد ، والتوسط ، والقصر ، مع إشمام حركة الواو ، فيصير اثنا عشر وجها ، والله أعلم .

                                                          وكذلك الحكم في ( برآء ) من سورة الممتحنة تجري فيها هذه الأوجه الاثنا عشر لحمزة ولهشام في وجه تخفيفه المتطرف ، إلا أن هشاما يحقق الأولى المفتوحة ويسهلها بين بين على أصله ، وأجاز بعضهم له حذفها على وجه اتباع الرسم ، فيجيء معه أوجه إبدال الهمزة المضمومة واوا ; لأن ذلك من تتمة اتباع الرسم فتصير تسعة عشر . وهذا الوجه ضعيف جدا غير مرضي ولا مأخوذ به ؛ لاختلال بنية الكلمة ومعناها بذلك ؛ ولأن صورة الهمزة المفتوحة ، إنما حذفت اختصارا كما حذفت الألف بعدها لا على وجه أن تخفف بحذفها ، واختار الهذلي هذا الوجه على قلب الأولى ألفا على غير قياس [ ص: 475 ] فيجتمع ألفان ، فتحذف إحداهما وتقلب الثانية واوا على مذهب التميميين ، وبالغ بعضهم فأجاز ( بروا ) بواو مفتوحة بعد الراء بعدها ألف على حكاية صورة الخط ، فتصير عشرين وجها ، ولا يصح هذا الوجه ، ولا يجوز أيضا ، وهو أشد شذوذا من الذي قبله ؛ لفساد المعنى واختلال اللفظ ، ولأن الواو إنما هي صورة الهمزة المضمومة والألف بعدها زائدة تشبيها لها بواو الجمع وألفه ، كما قدمنا ذلك وأشد منه ، وأنكر وجه آخر حكاه الهذلي عن الأنطاكي ، وهو قلب الهمزتين واوين ، فيقول ( برواو ) قال : وليس ذلك بصحيح ، وذكر بعض المتأخرين فيها ستة وعشرين وجها مفرعة عن أربعة أوجه : ( الأول ) الأخذ بالقياس في الهمزتين ، فتسهل الأولى وتبدل الثانية مع الثلاثة ، أو تسهلها كالواو مع الوجهين ، فهذه خمسة ( الثاني ) الأخذ بالرسم فيهما فتحذف الأولى وتبدل الثانية واوا بالإسكان والإشمام مع كل من المد والتوسط والقصر ، فهذه ثمانية أوجه ( الثالث ) الأخذ بالقياس في الأولى وبالرسم في الثانية ، فتسهل الأولى وتبدل الثانية واوا ، وفيها الثمانية الأوجه ( الرابع ) الأخذ بالرسم في الأولى وبالقياس في الثانية ، فتحذف الأولى وفي الثانية الإبدال مع الثلاثة والتسهيل مع الوجهين ، فهذه خمسة تتمة ستة وعشرين وجها على تقدير أن تكون الواو صورة الثانية ، وزاد بعضهم وجها خامسا على أن الواو صورة الأولى ، والألف صورة المضمومة ، فأجاز ثلاثة مع إبدالها ، ووجهين مع تسهيلها ، فيكون خمسة تتمة إحدى وثلاثين وجها ، ولا يصح منها سوى ما تقدم ، والله أعلم .

                                                          ومن المتطرف بعد الواو والياء الساكنتين الزائدتين ( مسألة : ثلاثة قروء ) فيه وجه واحد ، وهو الإدغام كما تقدم ، ويجوز فيه أيضا الإشارة بالروم فيصير وجهان . وكذلك يجوز هذان الوجهان في ( بريء ، والنسيء ) إلا أنه يجوز فيهما وجه ثالث ، وهو الإشمام ، وحكي في ذلك الحذف على وجه اتباع الرسم مع إجراء المد والقصر ، ولا يصح ، واتباع الرسم متحد مع الإدغام ، والله أعلم .

                                                          [ ص: 476 ] ومنه بعد الساكن الصحيح ( مسألة : يخرج الخبء ) فيه وجه واحد ، وهو النقل مع إسكان الباء للوقف ، وهو القياس المطرد ، وجاء فيه وجه آخر وهو ( الخبا ) بالألف ، ذكره الحافظ أبو العلاء ، وله وجه في العربية وهو الإتباع ، حكاه سيبويه وغيره كما ذكرنا ، ويجري الوجه ( الأول ) وهو النقل مع الإسكان فيما همزته مكسورة وهو ( بين المرء ) ويجوز فيه وجه ثان ، وهو الإشارة بالروم إلى كسرة الراء ، وتجري الوجهان في ( ملء ، ودفء ، و ينظر المرء ) ويجوز فيه وجه ثالث ، وهو الإشمام ، وتجرى الثلاثة في ( جزء ) وذكر فيه وجه رابع ، وهو الإدغام . حكاه الهذلي ولا يصح عن حمزة ، ولو صح لجاز معه الثلاثة التي مع النقل فتصير ستة .

                                                          ومن ذلك بعد الساكن المعتل الأصلي ( مسألة : جيء و سيئ ، و أن تبوءا ) مما وقعت الهمزة فيه مفتوحة ، وكذلك ( ليسوء ) في قراءة حمزة وهشام ، فيه وجهان ( الأول ) النقل ، وهو القياس المطرد ( والثاني ) الإدغام كما ذكرنا عن بعض أئمة القراءة العربية وغيرهم ، ويجري هذان الوجهان فيما وقعت الهمزة فيه مكسورة نحو ( من سوء ، و قوم سوء ، و من شيء ) إلا أنه يجوز مع كل الأوجه منهما الإشارة بالروم ، فيصير فيها الأربعة فيما وقعت الهمزة فيه مضمومة نحو ( يضيء و المسيء و لتنوء و لم يمسسهم سوء ، و من الأمر شيء ) ويجوز وجهان آخران ، وهما الإشمام مع كل من النقل والإدغام ، فيصير فيها ستة أوجه ولا يصح فيها غير ذلك ، فإن اتباع الرسم في ذلك متحد كما قدمنا ، وقد قيل : إنه يجوز فيها أيضا حذف الهمز اعتباطا ، فيمد حرف المد ويقصر على وجه اتباع الرسم ، ورجح المد في ذلك ، وحكى الهذلي فيه عن ابن غلبون بين بين ، وكل ذلك ضعيف لا يصح ، والله أعلم .

                                                          ومن المتوسط بعد الساكن إن كان ألفا ( مسألة : شركاونا و جاوا و أولياؤه و أحباوه ، وأوليك و إسرايل ، و خايفين ، و الملائكة ، و جانا ، و شركاوكم ، و أولياءه ، [ ص: 477 ] و برآء ، و دعاء ، و نداء ) ونحو ذلك مما تقع الهمزة متوسطة متحركة بعد ألف ، فإن فيه وجها واحدا ، وهو التسهيل بين بين بأي حركة تحركت الهمزة ، ويجوز في الألف قبلها المد والقصر إلغاء للعارض ، واعتدادا به كما تقدم في بابه ، وذكر في المضموم منه والمكسور المرسوم فيه صورة الهمزة واوا وياء وجه آخر ، وهو إبداله واوا محضة وياء محضة على صورة الرسم مع إجراء وجهي المد والقصر أيضا ، وهو وجه شاذ لا أصل له في العربية ولا في الرواية واتباع الرسم في ذلك ، ونحوه بين بين ، وذكر أيضا فيما حذفت فيه صورة الهمزة رسما إسقاطه لفظا ، فقيل في نحو ( أولياؤهم الطاغوت ، و يوحون إلى أوليائهم و نساءنا ونساءكم : أولياهم ، ونسانا ) هكذا بالحذف ، فيصير كأنه اسم مقصور على صورة رسمه في بعض المصاحف من المضموم والمكسور وفي جميع المصاحف من المفتوح مع إجراء وجهي المد والقصر إلغاء واعتدادا بالعارض ، وقيل : فيما اختلف فيه من ذلك ستة أوجه بين بين مع المد والقصر واتباع الرسم على رأيهم بمحض الواو والياء مع المد والقصر أيضا والحذف معهما أيضا ، وقيل : ذلك في ( جزاه و أولياه ) مع زيادة التوسط ، وربما قيل مع ذلك بالروم والإشمام في الهاء ، ولا يصح فيه سوى وجه بين بين لا غير كما قدمنا . وقد يتعذر الحذف الذي ذهبوا إليه في مواضع كثيرة من القرآن نحو ( إسرايل ، ويراون ، وجاوكم ) فإن حقيقة اتباع الرسم في ذلك تمتنع ولا تمكن ، فإن الهمزة إذا حذفت بقيت الواو والياء ساكنتين ، والنطق بذلك متعذر فلم يبق إلا الجمع بين ياءين وواوين على تقدير أن المحذوف واو البنية ، ولا يصح ذلك رواية ولا يوافق حقيقة الرسم على رأيهم ، فلم يبق سوى التسهيل بين بين ، والله أعلم . وكذلك الحكم في ( دعاء ، و نداء ، و ماء ، و ليسوا سواء ) ونحوه مما وقعت الهمزة فيه متوسطة بالتنوين ، فالجمهور فيه على تسهيل بين بين على القاعدة ، وإجراء وجهي المد والقصر لتغير الهمز . وانفرد صاحب " المبهج " بوجه آخر فيه ، وهو الحذف وأطلقه على حمزة بكماله ، وهو وجه صحيح ورد به النص ، عن حمزة في رواية الضبي . [ ص: 478 ] وله وجه ، وهو إجراء المنصوب مجرى المرفوع والمجرور ، وهو لغة للعرب معروفة ، فتبدل الهمزة فيه ألفا ، ثم تحذف للساكنين ، ويجوز معه المد والقصر ، وكذا التوسط كما تقدم ، وهو هنا أولى منه في المتطرف ; لأن الألف المرسومة هنا تحتمل أن تكون ألف البنية ، وتحتمل أن تكون صورة الهمزة ، وتحتمل أن تكون ألف التنوين ، فعلى تقدير أن تكون ألف البنية لا بد من ألف التنوين ، فيأتي بقدر ألفين وهو التوسط ، وعلى أن تكون صورة الهمزة فلا بد من ألف البنية وألف التنوين ، فيأتي بقدر ثلاث ألفات ، وهو المد الطويل ، وعلى أن تكون ألف التنوين فلا بد من ألف البنية ، فتأتي بقدر ألفين أيضا ، فلا وجه للقصر ، إلا أن يقدر الحذف اعتباطا ، أو يراد حكاية الصورة ، أو يجري المنصوب مجرى غيره لفظا ، ولولا صحته رواية لكان ضعيفا ، وأما ( وأحباوه ) ففي همزته الأولى التحقيق والتسهيل ؛ لكونها متوسطة بزائد ، ومع كل منهما تسهيل الثانية مع المد والقصر ، فتصير أربعة مع إسكان الهاء ، وإن أخذ بالروم والإشمام في الهاء على رأي من يجيزه ، تصير اثنا عشر ، وحكي فيها إبدال الواو في الثانية على اتباع الرسم عندهم ، وذكر فيها إبدال الأولى ألفا على اتباع الرسم أيضا على رأيهم ، فيصير في هذين الوجهين أربعة وعشرون ، ولا يصح منها شيء ولا يجوز ، والله أعلم .

                                                          وأما تراء من ( التقى الجمعان ) في سورة الشعراء ، فإن ألفها التي بعد الهمز تحذف وصلا لالتقاء الساكنين إجماعا ، فإذا وقف عليها ثبتت إجماعا ، ولها حكم في الإمالة يأتي ، واختص حمزة وخلف بإمالة الراء وصلا ، فإذا وقف حمزة سهل الهمزة بين بين وأمالها من أجل إمالة الألف بعدها وهي المنقلبة عن الياء التي حذفت وصلا للساكنين ، وهي لام " تفاعل " ، ويجوز مع ذلك المد والقصر لتغير الهمز على القاعدة ، وهذا الوجه هو الصحيح الذي لا يجوز غيره ولا يؤخذ بخلافه . وذكر فيها وجهان آخران ، أحدهما : حذف الألف التي بعد الهمزة وهي اللام ، من أجل حذفها رسما على رأي بعضهم في اتباع الرسم ، فتصير على هذا متطرفة ، فتبدل ألفا لوقوعها بعد [ ص: 479 ] ألف ، ويفعل فيها ما يفعل في ( جاء ، وشاء ) فيجيء على قولهم : ثلاثة أوجه هي المد والتوسط والقصر ، وأجروا هشاما مجراه في هذا الوجه إذا خفف المتطرف على هذا التقدير ، وهذا وجه لا يصح ولا يجوز لاختلاف لفظه وفساد المعنى به ، وقد تعلق مجيز هذا الوجه بظاهر قول ابن مجاهد : كان حمزة يقف على ( تراء ) يمد مدة بعد الراء ويكسر الراء من غير همز . انتهى . ولم يكن أراد ما قالوه ولا جنح إليه ، وإنما أراد الوجه الصحيح الذي ذكرناه ، فعبر بالمدة عن التسهيل كما هي عادة القراء في إطلاق عباراتهم ، ولا شك أن حذاق أصحاب ابن مجاهد مثل الأستاذ الكبير أبي طاهر بن أبي هشام وغيره أخبر بمراده دون من لم يره ولا أخذ عنه ، قال الحافظ أبو العلاء الداني في " جامع البيان " : فوقف حمزة ( تراء ) بإمالة فتحة الراء ويمد بعدها مدة مطولة في تقدير ألفين ممالتين . الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء ، والثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة المسهلة المشار إليها بالصدر ؛ لأنها في زنة المتحرك ، وإن أضعف الصوت بها ولم يتم فيتوالى في هذه الكلمة على مذهبه أربعة أحرف ممالة : الراء التي هي فاء الفعل ، والألف التي بعدها الداخلة لبناء " تفاعل " ، والهمزة المجعولة على مذهبه التي هي عين الفعل ، والألف التي بعدها المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حكى قول ابن مجاهد الذي ذكرناه بلفظه ، ثم قال : وهذا مجاز ، وما قلناه حقيقة ، ويحكم ذلك المشافهة . انتهى . وهو صريح لما قلناه من أن ابن مجاهد لم يرد ما توهمه بعضهم ، وأشار الداني بقوله : تحكمه المشافهة إلى قول ابن مجاهد وغيره مما يشكل ظاهرة ، وإنما يؤخذ من مشافهة الشيوخ وألفاظهم لا من الكتب وعباراتها . قال الأستاذأبو علي الفارسي في كتاب الحجة في قول ابن مجاهد : هذا إن كان يريد بالمد ألف " تفاعل " وإسقاط العين واللام ، فهذا الحذف غير مستقيم ، والوجه الثاني قلب الهمزة ياء ، فتقول : ( ترايا ) حكاه الهذلي وغيره ، وهو ضعيف أيضا . وقد قيل في توجيهه : إنه لما قرب فتحة الراء من الكسرة بالإمالة أعطاها حكم المكسور ، [ ص: 480 ] فأبدل الهمزة المفتوحة بعدها ياء ، ولم يعتد بالألف حاجزة .

                                                          ( قلت ) : وله وجه عندي هو أمثل من هذا ، وهو أن الهمزة في مثل هذا تبدل ياء عند الكوفيين ، وأنشدوا عليه قول الشاعر :


                                                          غدات تسايلت من كل أوب     كنانة حاملين لهم لوايا

                                                          أراد ( لواء ) فأبدل من الهمزة ياء ، وهو وجه لو صحت به الرواية لكان أولى من الذي قبله ، فقد حكي عنه أنه وقف على ( تبوا لقومكما ) كذلك . وروي أيضا عن حفص ، والصحيح فيه عن حمزة أيضا بين بين ، والله تعالى أعلم .

                                                          ومنه بعد ياء زائدة ( مسألة : خطية ، و خطيات ، و بريون ) فيه وجه واحد ، وهو الإدغام كما تقدم ، وحكي فيه وجه آخر ، وهو بين بين ، ذكره الحافظ ، وأبو العلاء ، وهو ضعيف ، وكذلك الحكم في ( هنيئا مريئا ) وحكي فيه وجه آخر ، وهو الإدغام فيهما ، كأنه أريد به الإتباع . ذكره الهذلي ، وحكي أيضا وجه آخر ، وهو التخفيف كالنقل ، كأنه على قصد اتباع الرسم ، وذكره بعضهم ، فيصير أربعة أوجه ، ولا يصح منها سوى الأول .

                                                          ومنه بعد ياء وواو أصليتين ( مسألة : سيئت ، و السوأى ) فيهما وجهان النقل وهو القياس المطرد والإدغام كما ذهب إليه بعضهم إلحاقا بالزائد ، وحكي فيهما وجه ثالث ، وهو بين بين كما ذكره الحافظ أبو العلاء وغيره ، وهو ضعيف ، إلا أنه في ( السوأى ) أقرب عند من التزم اتباع الرسم ، وكذلك الحكم في ( سوءة ، و سوآتكم ، وسوآتهما ، وشيا ) و ( كهيئة ، واستايس ، ويايس ) وبابه إلا أنه حكي في ( استايس ) وبابه وجه رابع ، وهو الألف على القلب كالبزي ومن معه ، ذكره الهذلي وأما ( موئلا ) ففيه وجهان النقل والإدغام كما ذكرنا ، ويحكى فيه وجه ثالث ، وهو إبدال الهمزة ياء مكسورة على وجه اتباع الرسم ، وفيه نظر لمخالفته القياس وضعفه في الرواية ، وقياسه على ( هزوا ) لا يصح ؛ لما نذكره . وقد عده الداني من النادر والشاذ ، وحكي فيه وجه رابع ، وهو بين بين ، نص عليه أبو طاهر [ ص: 481 ] بن أبي هشام ، وهو داخل في قاعدة تسهيل هذا الباب عند من رواه ، وهو أيضا أقرب إلى اتباع الرسم من الذي قبله ، وردهالداني . وذكر فيه وجه خامس ، وهو إبدال الهمزة ياء ساكنة وكسر الواو قبلها على نقل الحركة وإبقاء الأثر ، حكاه ابن الباذش ، وهو أيضا ضعيف قياسا ، ولا يصح رواية ، وذكر وجه سادس ، وهو إبدال الهمزة واوا من غير إدغام ، حكاه الهذلي ، وهو أضعف هذه الوجوه وأردؤها ، وأما ( الموءودة ) ففيه أيضا وجهان : النقل والإدغام ، إلا أن الإدغام يضعف هنا للثقل ، وفيه وجه ثالث ، وهو بين بين ، نص عليه أبو طاهر بن أبي هاشم وغيره ، وذكر وجه رابع وهو الحذف ، واللفظ بها على وزن الموزة والجوزة ، وهو ضعيف ؛ لما فيه من الإخلال بحذف حرفين ، ولكنه موافق للرسم ، ورواه منصوصا عن حمزة أبو أيوب الضبي ، واختاره ابن مجاهد ، وذكره الداني ، وقال : هو من التخفيف الشاذ الذي لا يصار إليه إلا بالسماع إذا كان القياس ينفيه ولا يجيزه ، وكان من رواه من القراء واستعمله من العرب كره النقل والبدل . أما النقل فلتحرك الواو فيه بالحركة التي تستثقل وهي الضمة ، وأما البدل فلأجل التشديد والإدغام ، ثم قال : ومن العرب من إذا خفف همزة ( يسؤك ) قال : ( يسؤك ) استثقل الضمة على الواو ، فحذف الهمزة ، قال : وهذا يؤيد ما قلناه يعني من الحذف .

                                                          ( قلت ) : حذف الهمز لا كلام فيه ، والكلام في حذف الواو بعد الهمزة التي تجحف بالكلمة وتغير الصيغة ، والله أعلم .

                                                          ومنه بعد الصحيح الساكن

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية