الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              623 - أنا أبو طاهر ، نا أبو بكر ، نا يحيى بن حبيب الحارثي ، حدثنا خالد بن الحارث ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر ، فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال : فهداهم الله للإسلام " .

              قال أبو بكر : هذا حديث غريب أيضا .

              أخبرنا أبو طاهر ، نا أبو بكر ، نا أحمد بن المقدام العجلي ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : [ ص: 340 ] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدعو على أحياء من العرب ، فأنزل الله تبارك وتعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال : ثم هداهم إلى الإسلام " .

              قال أبو بكر : ففي هذه الأخبار دلالة على أن اللعن منسوخ بهذه الآية لا أن الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمن كان في أيدي أهل مكة من المسلمين أن ينجيهم الله من أيديهم ، إذ غير جائز أن تكون الآية نزلت أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون في قوم مؤمنين في يدي قوم كفار يعذبون ، وإنما أنزل الله عز وجل هذه الآية أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فيمن كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم عليهم باللعن من المنافقين والكفار ، فأعلمه الله عز وجل أن ليس للنبي صلى الله عليه وسلم من الأمر شيء في هؤلاء الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يلعنهم في قنوته ، وأخبر أنه إن تاب عليهم فهداهم للإيمان أو عذبهم على كفرهم ونفاقهم فهم ظالمون وقت كفرهم ونفاقهم ، لا من كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم من المؤمنين أن ينجيهم من أيدي أعدائهم من الكفار ، فالوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفون من أهل مكة لم يكونوا ظالمين في وقت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بأن ينجيهم من أيدي أعدائهم الكفار .

              ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لهم بالنجاة من أيدي كفار أهل مكة إلا بعدما نجوا من أيديهم ، لا لنزول هذه الآية التي نزلت في الكفار والمنافقين الذين كانوا ظالمين لا مظلومين ، ألا تسمع خبر يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يدع لهم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " أوما تراهم قد قدموا ؟ " ، فأعلم صلى الله عليه وسلم أنه إنما ترك القنوت والدعاء بأن نجاهم الله ، إذ الله قد استجاب لهم فنجاهم ، لا لنزول الآية [ ص: 341 ] التي نزلت في غيرهم ممن هو ضدهم ، إذ من دعا النبي صلى الله عليه وسلم بأن ينجيهم مؤمنون مظلومون ، ومن كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم باللعن كفار ومنافقون ظالمون ، فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يترك لعن من كان يلعنهم ، وأعلم أنهم ظالمون ، وأن ليس للنبي صلى الله عليه وسلم من أمرهم شيء ، وأن الله إن شاء عذبهم ، أو تاب عليهم ، فتفهموا ما بينته تستيقنوا بتوفيق خالقكم غلط من احتج بهذه الأخبار أن القنوت من صلاة الغداة منسوخ بهذه الآية .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية