الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها ولا زوج يلي ذلك منها يممت فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد قال مالك وإذا هلك الرجل وليس معه أحد إلا نساء يممنه أيضا قال مالك وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          519 522 - ( مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ، قاضيها المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة وله سبعون سنة ( أن أسماء بنت عميس ) بضم المهملة وآخره مهملة ، مصغر ، الخثعمية ، صحابية تزوجها جعفر بن أبي طالب ، ثم أبو بكر ، ثم [ ص: 73 ] علي وولدت لكل منهم ، وماتت بعد علي ، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها ( غسلت ) زوجها ( أبا بكر الصديق حين توفي ) ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة ، كما رواه الحاكم وغيره عن عائشة وهو الصحيح كما في الفتح ، وغلط في الإصابة من قال : مات في جمادى الأولى أو لليلة خلت من ربيع الأول ، ولا خلاف في جواز تغسيل المرأة لزوجها ، وأما تغسيله لها فأجازه الجمهور والأئمة الثلاثة ; لأن عليا غسل فاطمة ، وقال أبو حنيفة والثوري : تغسله لأنها في عدة منه ، ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها ، ولا حجة فيه ; لأنها في حكم الزوجية لا في حكم البينونة بدليل الإرث ، واعتلوا أيضا بأن له أن يتزوج أختها فكذا لا يغسلها ، وهذا ينتقض بغسلها له ، واحتجوا بحديث أم عطية ; لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرا وأمر المصطفى النسوة بغسلها ، وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرا ، وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لا مانع به ولا آثر النسوة على نفسه وعلى تسليمه ، فغاية ما فيه أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده .

                                                                                                          ( ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل ؟ فقالوا : لا ) غسل عليك واجب ولا مستحب لعذرها بالصوم والبرد ، واختلف جماعة من الصحابة والتابعين في وجوب غسل من غسل الميت ، واختلف فيه قول مالك فروى ابن القاسم وابن وهب عنه في العتبية : عليه الغسل ولم أدرك الناس إلا عليه . ابن القاسم : وهو أحب إلي ولم أره يأخذ بحديث أسماء ، وروى عنه المدنيون وابن عبد الحكم أنه مستحب لا واجب ، وهو مشهور المذهب وبه قال أبو حنيفة ، قالوا : وإنما أسقطوه عن أسماء لعذرها بالصوم والبرد . وفي حديث أبي هريرة مرفوعا : " من غسل ميتا فليغتسل " رواه أبو داود برجال ثقات إلا واحدا لم يعرف حاله . وقال الشافعي : لا غسل عليه إلا أن يثبت حديث أبي هريرة ، وظاهر الأمر الوجوب ، لكن صرفه عنه حديث أم عطية حيث لم يأمرهن به فدل على أنه للاستحباب ، وأما الاستدلال به على عدم الاستحباب ; لأنه موضع تعليم ولم يأمر به ففيه نظر لاحتمال أنه شرع بعد ذلك . وأما قول الخطابي لا أعلم أحدا قال بوجوبه ، فقال الحافظ : كأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث ، والخلاف فيه ثابت عند المالكية ، وصار إليه بعض الشافعية أيضا . وقال ابن بزيزة : الظاهر أنه مستحب والحكمة تتعلق بالميت ; لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن ، ويحتمل أن يتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 74 ] ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون : إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم ) كأخ وعم ، وفي نسخة المحارم بالجمع ( أحد يلي ذلك منها ) فيجوز للمحرم من فوق الثوب كما قال مالك في المدونة والعتبية ( ولا زوج يلي ذلك منها يممت ) لكوعيها فقط كما قال ( فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد ) الطاهر ( قال مالك : وإذا هلك الرجل ) أي مات ( وليس معه أحد إلا نساء ) أجانب ( يممنه أيضا ) لمرفقيه فإن كن محارم غسلنه من فوق الثوب كما في المدونة وغيرها . ابن عبد الحكم عن مالك : تغسل المرأة ذا محرمها والرجل ذا محرمه في درعها ولا يطلع أحد منهم على عورة صاحبه .

                                                                                                          وقال أشهب وأبو حنيفة والشافعي : لا يغسل ذو المحارم بعضها بعضا وييممون ( قال مالك : وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف ) لا يجوز تعديه ( وليس لذلك صفة معلومة ، ولكن يغسل فيطهر ) ويستحب أن يبدأ في المرة الأولى بغسل رأسه ولحيته ثم بجسده ويبدأ بشقه الأيمن ، ويستحب أن يوضأ لحديث : " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " .




                                                                                                          الخدمات العلمية