الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصيام لي وأنا أجزي به كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          690 686 - ( مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ) إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها ، وهو قسم كان يقسم به كثيرا وأقسم تأكيدا ، ( لخلوف ) بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو وبالفاء على الصحيح المشهور ، قال عياض : الرواية الصحيحة بضم الخاء وكثير من الشيوخ يروونه بفتحها ، قال الخطابي : وهو خطأ وحكى القابسي فيه الضم والفتح ، وقال : أهل المشرق يقولونه بالوجهين والصواب الضم أي تغير رائحة ( فم الصائم ) لخلو المعدة بترك الأكل ، وقال البرقي : هو تغير طعم الفم وريحه بتأخير الطعام .

                                                                                                          قال الباجي : وليس هذا التفسير على أصل مالك ، وإنما هو على مذهب الشافعي ، وإنما يعتبر مالك تغير رائحة الفم كما تقدم ، وفيه رد على من قال : لا تثبت الميم في الفم إلا في ضرورة الشعر لثبوته في هذا الحديث الصحيح وغيره . ( أطيب عند الله ) زاد مسلم والنسائي من رواية أبي صالح عن أبي هريرة : يوم القيامة ، ( من ريح المسك ) فتعلق به العز بن عبد السلام فقال : هذا الطيب في الآخرة خاصة ، ولأبي الشيخ بإسناد فيه ضعف عن أنس مرفوعا : " يخرج الصائمون من قبورهم يعرفون بريح أفواههم ، أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك " ، وقال ابن الصلاح : هو عام في الدنيا والآخرة لرواية ابن حبان : " لخلوف فم الصائم حين يخلف أطيب عند الله من ريح المسك " ، وروى الحسن بن سفيان في مسنده عن جابر مرفوعا : " أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ، قال : وأما الثانية فإنهم يمسون وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك " ، حسنه أبو بكر بن السمعاني في أماليه ، وكل واحد من الحديثين صريح بأنه في وقت وجود الخلوف في الدنيا يتحقق وصفه بكونه أطيب عند الله من ريح المسك .

                                                                                                          قال الخطابي : طيبه عند الله رضاه به وثناؤه ، وقال ابن عبد البر : معناه أزكى عند الله وأقرب إليه عنده من ريح المسك ، وقال البغوي : معناه الثناء على الصائم والرضا بفعله ، وقال القدوري إمام الحنفية : معناه أفضل عند الله من الروائح الطيبة ، ومثله قال البوني من قدماء المالكية وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر السمعاني وأبو حفص الشافعيون وأبو بكر العربي فهؤلاء أئمة المسلمين شرقا وغربا لم يذكروا سوى ما ذكرته ، ولم يذكر أحد منهم وجها بتخصيصه بالآخرة ، مع أن [ ص: 294 ] كتبهم جامعة للوجوه المشهورة والغريبة ، ومع أن الرواية التي فيها يوم القيامة مشهورة في الصحيح بل جزموا بأنه عبارة عن الرضا والقبول ونحوهما مما هو ثابت في الدنيا والآخرة .

                                                                                                          وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء ، وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضا الله حيث يؤمر باجتنابها ، واجتلاب الرائحة الطيبة كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات ، فخص يوم القيامة في رواية لذلك كما خص قوله تعالى : إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( سورة العاديات : الآية 11 ) ، وأطلق في باقي الروايات نظرا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين انتهى .

                                                                                                          وهذه إحدى المسائل التي اختلف فيها المتعاصران المذكوران ابن الصلاح والعز ، واختلف في معناه لأن استطابة الروائح من صفات الحيوان الذي له طبع يميل إلى الشيء فيستطيبه أو ينفر عنه فيستقذره ، والله سبحانه منزه عن ذلك ، مع أنه يعلم الأشياء على ما هي عليه ، فقال المازري : هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريب الصوم من الله ، فالمعنى أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم ، وإلى هذا أشار ابن عبد البر ، وقيل : معناه أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم ، وهو قريب مما قبله ، وقيل : معناه أن الله يثيبه في الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكا ، وقيل : معناه أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لاسيما بالإضافة إلى الخلوف حكاهما عياض .

                                                                                                          وقال الداودي وجماعة : المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب في الجمع والأعياد ومجالس الذكر والخير وصححه النووي ، وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا .

                                                                                                          ونقل القاضي حسين أن للطاعات يوم القيامة ريحا يفوح قال : فريح الصيام فيها بين العبادات كالمسك ، وقيل : المعنى أطيب عند ملائكة الله وأنهم يستطيبون الخلوف ، أكثر من كان عندنا بصدد ذلك .

                                                                                                          وقال ابن بطال : أي أزكى عند الله إذ هو تعالى لا يوصف بالشم .

                                                                                                          وقال ابن المنير : لكنه يوصف بأنه عالم بهذا النوع من الإدراك ، وكذلك بقية المدركات المحسوسات يعلمها تعالى على ما هي عليه لأنه خالقها ألا يعلم من خلق ؟ وهذا مذهب الأشعري ، فإن قيل : لم كان أطيب ودم الشهيد ريحه ريح المسك مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح ؟ أجيب بأن الصوم أحد أركان الإسلام فهو أعظم من الجهاد ، أو نظرا إلى أصل كل منهما ، فأصل الخلوف طاهر بخلاف الدم ، فكان ما أصله طاهر أطيب ريحا ، وبأن الجهاد فرض كفاية والصوم فرض عين وهو أفضل من الكفاية .

                                                                                                          وروى أحمد مرفوعا : " دينار تنفقه على أهلك ودينار تنفقه في سبيل الله أفضلهما الذي تنفقه على أهلك " ، ففضل النفقة على الأهل لأنه فرض عين على النفقة في الجهاد لأنه كفاية .

                                                                                                          ولا يعارضه ما رواه [ ص: 295 ] الطيالسي عن أبي قتادة قال : " خطب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الجهاد وفضله على سائر الأعمال المكتوبة " لاحتمال أن يكون ذلك قبل وجوب الصيام .

                                                                                                          وقول إمام الحرمين وطائفة : فرض الكفاية أفضل من فرض العين ضعيف ، فنص الشافعي : فرض العين أفضل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أفضل الأعمال : عليك بالصوم .

                                                                                                          ( إنما يذر ) بذال معجمة بترك الصائم ولم يصرح بنسبته إلى الله تعالى للعلم به وعدم الإشكال فيه .

                                                                                                          ولأحمد عن إسحاق بن الطباع عن مالك يقول الله عز وجل : " إنما يذر ( شهوته ) أي الجماع ، ولابن خزيمة زوجته ، ( وطعامه وشرابه ) فالعطف مغاير وإن جعلت شهوته عامة فهو من الخاص بعد العام ، وفي فوائد سمويه : يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع ( من أجلي ) لامتثال شرعي ذلك .

                                                                                                          قال الحافظ : قد يفهم الحصر التنبيه على الجهة التي يستحق بها الصائم ذلك ، وهو الإخلاص الخاص به حتى لو صام لغرض آخر كتخمة لا يحصل له ذلك الفضل لكن المدار في هذه الأشياء وعلى الداعي القوي الذي يدور معه الفعل وجودا وعدما ، ولا يشك أن من لم يعرض له في خاطره شهوة شيء طول نهاره ليس في الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه في تركه ، ( فالصيام لي ) بفاء السببية ، ( وأنا أجزي ) بفتح الهمزة ( به ) صاحبه ، ولما أفاد سعة الجزاء وفخامته لتوليه بنفسه دفع توهم أن له غاية ينتهي إليهما كغيره من الأعمال بقوله : ( كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ) بلا عدد ولا حساب ، وأعاده للتأكيد ، وهذا كقوله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( سورة الزمر : الآية 10 ) ، والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال لأنهم يصبرون أنفسهم عن الشهوات ، وعند سمويه : إلا الصوم فإنه لا يدري أحد ما فيه .

                                                                                                          وللبيهقي والطبراني عن ابن عمر في حديث : " وأما العمل الذي لا يعلم مقدار ثواب عامله إلا الله فالصيام " ، واتفقوا على أن المراد بالصائم هنا من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا .

                                                                                                          ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد تخصيصه بصوم خواص الخواص فإنه أربعة أنواع : صيام العوام وهو الصوم عن المفطرات ، وصيام خواص العوام وهو هذا مع اجتناب المحرمات قولا وفعلا ، وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته ، وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم لقائه .

                                                                                                          قال الحافظ : وهذا مقام عال ، لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى ، وقد اختلف في معناه مع أن الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها على عشرة أقوال : أحدها أن الصيام لا يقع فيه رياء كغيره حكاه المازري ونقله عياض عن أبي عبيد ، ويؤيده حديث : " الصيام لا رياء فيه " قال الله عز وجل : هو لي وأنا أجزي به .

                                                                                                          رواه البيهقي عن أبي هريرة بإسناد ضعيف ، وأبو عبيد [ ص: 296 ] مرسلا ، ولو صح لرفع النزاع .

                                                                                                          وكونه لا رياء فيه معناه في فعله ، وإن كان فيه الرياء بالقول كمن يخبر بأنه صائم رياء فإنما يقع الرياء فيه من الإخبار بخلاف بقية الأعمال قد يدخلها بمجرد فعلها ، وحاول بعضهم إلحاق الذكر بالصوم لإمكان فعله بحركة اللسان ولا يشعر الحاضرون .

                                                                                                          ثانيها : معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته ، وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته عليها ولا يبطله كما ادعى القرطبي أن صوم اليوم بعشرة أيام كما في الأحاديث لأنه يكتب كذلك ، وأما قدر ثوابه فلا يعلمه إلا الله .

                                                                                                          ثالثها : معناه أحب العبادات إلي والمقدم عندي ، ولذا قال أبو عمر : كفى به فضلا للصيام على سائر العبادات ، وللنسائي : عليك بالصوم فإنه لا مثل له ، لكن يعكر عليه الحديث الصحيح : " واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " .

                                                                                                          رابعها : الإضافة للتشريف والتعظيم كما يقال : بيت الله وإن كانت البيوت كلها لله ، وناقة الله ، وأن المساجد لله ، مع أن العالم كله لله .

                                                                                                          قال الزين بن المنير : التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التشريف والتعظيم .

                                                                                                          خامسها : أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الله تعالى ، فلما تقرب إليه الصائم بما يوافق صفاته أضافه إليه وإن كانت صفات الله لا يشبهها شيء .

                                                                                                          سادسها : المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى الملائكة لأنه من صفاتهم .

                                                                                                          سابعها : أنه خاص لله تعالى وليس للعبد حظ فيه قاله الخطابي ونقله عياض وغيره ، فإن أراد بالحظ الثناء عليه للعبادة رجع إلى المعنى الأول ، وبه أفصح ابن الجوزي فقال : لا حظ فيه للصائم بخلاف غيره فله فيه حظ لثناء الناس عليه ، أي وإن أراد عدم انبساط نفسه به أصلا غالبا بخلاف غيره من العبادات ، فيوجد للنفس فيها حظ كالغسل والوضوء فله فيه حظ التبرد أو التدفي ، وكالحج فله فيه حظ التنفل والتفرج على الأمكنة وهكذا ، فلا يرجع إلى المعنى الأول بل يكون غيره وهذا هو الظاهر .

                                                                                                          ثامنها : سبب إضافته إلى الله أنه لم يعبد به غيره بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك ، واعترض بأن عباد النجوم وأصحاب الهياكل والاستخدامات يتعبدون لها بالصيام ، وأجيب بأنهم لا يعتقدون إلهية الكواكب وإنما يعتقدون أنها فعالة بنفسها ، وليس هذا الجواب بطائل لأنهم طائفتان : إحداهما تعتقد إلهية الكواكب وهم من كان قبل ظهور الإسلام وبقي منهم من بقي على كفره ، والأخرى من دخل في الإسلام وبقي على تعظيم الكواكب وهم الذين أشير إليهم .

                                                                                                          تاسعها : أن جميع العبادات يوفى منها مظالم العباد إلا الصيام ، رواه البيهقي عن ابن عيينة قال : إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة ، وتعقبه القرطبي بأن ظاهر حديث المقاصة أنه يؤخذ كبقية الأعمال لأن فيه المفلس يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة [ ص: 297 ] وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه طرحت عليه سيئاتهم ثم طرح في النار .

                                                                                                          قلت : إن ثبت قول ابن عيينة أمكن تخصيص الصيام من ذلك ، وقد يدل له حديث أحمد عن أبي هريرة رفعه : " كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به " ، رواه أبو داود بلفظ : " قال ربكم : كل العمل كفارة إلا الصوم " فهذا الاستثناء شاهد لذلك ، لكن يعارضه حديث حذيفة في الصحيحين : " فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصيام والصدقة " ، ويجاب بحمل الإثبات على كفارة شيء مخصوص ، والنفي على كفارة شيء آخر ، فإنه مقيد بفتنة المال وما ذكر معه لكن حمله البخاري على تكفير مطلق الخطيئة ، ويؤيده ما في مسلم : " الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر " ، ولابن حبان مرفوعا : " من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله " ، ولمسلم : " صيام عرفة يكفر سنتين وصيام عاشوراء يكفر سنة " ، وعلى هذا فقوله : " كل العمل كفارة إلا الصيام " أي فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة بشرط خلوصه من الرياء والشوائب .

                                                                                                          عاشرها : أن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما لا تكتب سائر أعمال القلوب ، واستند قائله إلى حديث واه جدا أورده ابن العربي في المسلسلات ولفظه : قال الله الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده .

                                                                                                          ويكفي في رده الحديث الصحيح في كتابه : " الحسنة لمن هم بها ولم يعملها " ، فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة وأقربها إلى الصواب الأول والثاني ويقرب منهما الثامن والتاسع .

                                                                                                          وبلغني أن الطالقاني بلغها أكثر في حظائر القدس ولم أقف عليه . انتهى ملخصا .

                                                                                                          وقال بعض الصوفية : معناه أن الصوم لي لا لك ، أي أنا الذي ينبغي لي أن لا أطعم ولا أشرب ، وإذا كان كذلك وكان دخولك فيه لأني شرعته لك فأنا أجزي به كأنه يقول : أنا جزاؤه لأن صفة التنزيه عن الطعام والشراب والشهوة تطلبني ، وقد تلبست بها وليست لك لكنك اتصفت بها حال صومك فهي تدخلك علي ، فإن الصبر حبس النفس وقد حبستها بأمري عما تقتضيه ، وحقيقتها من الطعام والشراب والشهوة ، فلذا قال للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، رواه الشيخان .

                                                                                                          وفرحة الفطر لروحه الحيواني لا غير ، والثانية لنفسه الناطقة لطيفة ربانية فأورثه الصوم لقاء الله وهو المشاهدة انتهى ، وقد علم كل أناس مشربهم .

                                                                                                          والحديث رواه البخاري عن القعنبي عن مالك لكنه وصله بالحديث قبله لاتحاد إسنادهما وقد فعل ذلك غير مرة ولا مانع منه كما قدمته عن الحافظ لكنه قال هنا هما حديثان أفردهما الموطأ وجمعهما عنه القعنبي وعنه رواه البخاري هنا انتهى .

                                                                                                          وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم من طريق مالك وغيره ، وتابعه جماعة عن أبي الزناد في الصحيحين وغيرهما ، والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية