الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حاضت أو ولدت بعدما أفاضت يوم النحر فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قال مالك والمرأة تحيض بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت لا بد لها من ذلك وإن كانت قد أفاضت فحاضت بعد الإفاضة فلتنصرف إلى بلدها فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض قال وإن حاضت المرأة بمنى قبل أن تفيض فإن كريها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          946 931 [ ص: 572 ] ( مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه ) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : ( أن أبا سلمة بن عبد الرحمن ) بن عوف اسمه كنيته ، أو عبد الله أو إسماعيل ( أخبره : أن أم سليم ) بضم السين ( بنت ملحان ) بكسر الميم وإسكان اللام ، ابن خالد الأنصارية ، والدة أنس بن مالك ، يقال اسمها سهلة ، أو رميلة ، أو رميثة ، أو مليكة ، أو أنيفة من الصحابيات الفاضلات ( استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و ) قد ( حاضت ، أو ولدت ) شك الراوي ( بعدما أفاضت يوم النحر ) عن طواف الوداع ( فأذن لها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) أن تخرج ( فخرجت ) إلى المدينة بلا طوف وداع ، وهذا الحديث إن سلم أن فيه انقطاعا ؛ لأن أبا سلمة لم يسمع أم سليم فله شواهد ، فأخرج الطيالسي في مسنده : حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة ، قال : اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت ، وقد طافت بالبيت يوم النحر ، فقال زيد : يكون آخر عهدها بالبيت ، وقال ابن عباس : تنفر إن شاءت ، فقالت الأنصار : لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا ، فقال : سلوا صاحبتكم أم سليم ، فقالت : حضت بعدما طفت بالبيت ، فأمرني - صلى الله عليه وسلم - أن أنفر .

                                                                                                          وفي مسلم والنسائي والإسماعيلي عن طاوس : كنت مع ابن عباس ، فقال له زيد بن ثابت : تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ، فقال : إما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ؟ فرجع إليه فقال : ما أراك إلا قد صدقت .

                                                                                                          ولفظ النسائي : فسألها ، ثم رجع وهو يضحك ، فقال : الحديث كما حدثني .

                                                                                                          وللإسماعيلي : فقال ابن عباس : سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن - صلى الله عليه وسلم - بذلك ؟ قال الحافظ وقد عرف برواية عكرمة : أن الأنصارية هي أم سليم ، وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن ، انتهى .

                                                                                                          وفي هذا كله تعقب على قول أبي عمر لا أعرفه عن أم سليم إلا من هذا الوجه ، ومن حديث هشام عن قتادة عن عكرمة : أن أم سليم ؛ فذكره بمعناه وهما منقطعان ، والمحفوظ في هذا حديث أبي سلمة ، عن عائشة بقصة صفية ، انتهى ، وكون حديثه عن عائشة بذلك محفوظ لا يمنع أنه روى حديث أم سليم وأرسله ، كيف ولم ينفرد به بل وافقه عكرمة وطاوس في مسلم وغيره ، عن ابن عباس ، فكيف لا يعرف ابن عبد البر ما في مسلم والنسائي وهما في يده وقلبه ؟ إن لهذا لعجب ( قال مالك : والمرأة تحيض ) قبل الإفاضة ( بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت لا بد ) لا فراق ، ولا محالة ( لها من ذلك ) لأن النبي [ ص: 573 ] صلى الله عليه وسلم ، قال : أحابستنا هي ( وإن كانت قد أفاضت فحاضت بعد الإفاضة ، فلتنصرف إلى بلدها ) إن شاءت ، بدون طواف وداع ( فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحائض ) لصفية ، وغيرها .

                                                                                                          وفي البخاري عن طاوس : رخص ، بالبناء للمجهول .

                                                                                                          وفي النسائي : " رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحائض أن تنفر إذا أفاضت " قال ، أي طاوس : وسمعت ابن عمر يقول : إنها لا تنفر ، ثم سمعته يقول بعد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لهن ، وهذا من مراسيل الصحابة .

                                                                                                          وكذا ما رواه النسائي والترمذي وصححه هو والحاكم عن ابن عمر قال : من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض رخص لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن عمر لم يسمعه من النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          فللنسائي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس : أن ابن عمر كان يقول قريبا من سنتين : الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت ، ثم قال بعد : إنه رخص للنساء .

                                                                                                          وله للطحاوي عن الزهري عن طاوس : أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر ، وقد أفضن يوم النحر ، فقال : إن عائشة كانت تذكر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخصة لهن ، وذلك قبل موت ابن عمر بعام ، ولابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع ، قال الشافعي : كان ابن عمر سمع الأمر بالوداع ، ولم يسمع الرخصة ، ثم بلغته فعمل بها .

                                                                                                          ( قال : وإن حاضت المرأة ) أو ولدت ( بمنى قبل أن تفيض ، فإن كريها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم ) وهو نصف شهر في الحيض ، واستشكله ابن المواز بأن فيه تعرضا للفساد كقطع الطريق ، وأجابه عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق ، كما أن محله أن يكون مع المرأة محرم .

                                                                                                          وروى البزار وغيره ، عن جابر والثقفي في فوائده ، عن أبي هريرة كلاهما مرفوعا : " أميران وليسا بأميرين : المرأة تحج مع القوم ، فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة ، فليس لأصحابها أن ينفروها حتى يستأمروها ، والرجل يتبع الجنازة ، فيصلي عليها ، فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها " ، لكن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا .




                                                                                                          الخدمات العلمية