الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال أبو سلمة إذا وضعت ما في بطنها فقد حلت للأزواج وقال ابن عباس آخر الأجلين فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى عبد الله بن عباس إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت قال مالك وهذا الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1253 1240 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن سليمان بن يسار ) المدني : أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ( اختلفا في المرأة تنفس ) بضم التاء وسكون النون وفتح الفاء ، أي تلد ( بعد وفاة زوجها بليال ) تنقص عن أربعة أشهر وعشر ما عدتها ( فقال أبو سلمة : إذا وضعت ما في بطنها فقد حلت ) لآية الطلاق ( وقال ابن عباس : آخر الأجلين ) عدتها يعني إن كان الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشر انتظرته [ ص: 336 ] وإن وضعت قبلها انتظرتها لآية البقرة ، ووجه الاختلاف أنهما عمومان تعارضا فجمع ابن عباس بينهما بذلك . وفي البخاري عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فقال ابن عباس آخر الأجلين ، فقلت أنا : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . زاد الإسماعيلي : فقال ابن عباس إنما ذاك في الطلاق ( فجاء أبو هريرة ) لعله كان قام لحاجة وإلا فقد كان جالسا عند ابن عباس لما استفتي : كما في البخاري وغيره ( فقال : أنا مع ابن أخي ، يعني أبا سلمة ) قاله على عادة العرب ; إذ ليس ابن أخيه حقيقة ( فبعثوا كريبا ) بضم الكاف وفتح الراء وإسكان التحتية وموحدة ( مولى عبد الله بن عباس ) وفي البخاري : فأرسل ابن عباس غلامه كريبا ( إلى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألها عن ذلك ) ولا معارضة بين هذا وبين ما مر أن أبا سلمة دخل عليها فسألها لاحتمال أنه دخل معه أو بعده حتى يسمع منها بلا واسطة ، ولا بين كون الاختلاف في السابق بين أبي هريرة وبين ابن عباس ، وهنا بينه وبين أبي سلمة لأن أصل الاختلاف بينهما ، وأبو هريرة وافق أبا سلمة ، فلا معارضة بهذين الأمرين كما ظن أبو عمر . ( فجاءهم ) كريب ( فأخبرهم أنها قالت : ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ) بسكون التاء سبيعة ( ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) لما قال لها أبو السنابل : ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر . وفي رواية للبخاري : فخطبها أبو السنابل فأبت أن تنكحه ، فقال : والله ما يصلح أن تنكحين حتى تعتدي آخر الأجلين ، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فقال : قد حللت فانكحي من شئت ) لانقضاء عدتك بوضع الحمل ، فبين مراد الله فلا معنى لمن خالفه . وفيه أن الحجة عند التنازع السنة فيما لا نص فيه من الكتاب وفيما فيه نص إذا احتمل التخصيص لأن السنة تبين مراد الكتاب . قال الشافعي : من عرف الحديث قويت حجته ، ومن نظر في النحو رق طبعه ، ومن حفظ القرآن نبل قدره ، ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم . وفيه أن المناظرة وطلب الدليل وموقع الحجة كان قديما من زمن الصحابة ولا ينكره إلا جاهل ، وأن الكبير لا يرتفع على الصغير ولا يمنع إذا علم أن ينطق بما علم ، ورب صغير السن كبير العلم ، وجلالة أبي سلمة وإن كان يفتي مع الصحابة ، وهو القائل : لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما ، وليس هذا الحديث عند القعنبي وابن بكير في الموطأ وهو عند غيرهما . وقد أخرجه النسائي عن قتيبة ، ومن طريق القاسم كلاهما عن مالك به ، وتابعه عبد الوهاب الثقفي ويزيد بن هارون [ ص: 337 ] والليث ، الثلاثة عن يحيى بن سعيد عند مسلم قائلا : غير أن الليث قال : فأرسلوا إلى أم سلمة ، ولم يسم كريبا ، وله طرق في الصحيحين والسنن .

                                                                                                          ( قال مالك : وهذا الأمر الذي لم يزل ) أي استمر ( عليه أهل العلم عندنا ) أنها تحل بوضع الحمل ، وأجمع عليه جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار ، إلا ما روي عنعلي من وجه منقطع أن عدتها آخر الأجلين ، وما جاء عن ابن عباس هنا لكن جاء عنه أنه رجع إلى حديث أم سلمة في قصة سبيعة ، قال ابن عبد البر : ويصححه أن أصحابه عكرمة وعطاء وطاوسا وغيرهم على أن عدتها الوضع وعليه العلماء كافة ، وقد روى عبد الرزاق عن ابن مسعود من شاء باهلته أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) ( سورة الطلاق : الآية 4 ) نزلت بعد الآية التي في سورة البقرة : ( والذين يتوفون منكم ) ( سورة البقرة : الآية 234 ) قال : وبلغه أن عليا قال : هي آخر الأجلين ، فقال ذلك . اهـ . وفي البخاري عن ابن مسعود : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة ، سورة النساء القصرى بعد الطولى ، ومراده أنها مخصصة لها لا ناسخة ، وقد احتج للقائل بآخر الأجلين بأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين ، وقد اجتمعتا في المتوفى زوجها عنها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين وهو آخر الأجلين ، وأجيب بأنه لما كان المقصود الأصلي من العدة براءة الرحم ولا سيما من تحيض حصل المطلوب بالوضع وحديث سبيعة من آخر حكمه - صلى الله عليه وسلم - لأنه بعد حجة الوداع ، والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية