الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق يشك داود قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق قال مالك وإنما تباع العرايا بخرصها من التمر يتحرى ذلك ويخرص في رءوس النخل وإنما أرخص فيه لأنه أنزل بمنزلة التولية والإقالة والشرك ولو كان بمنزلة غيره من البيوع ما أشرك أحد أحدا في طعامه حتى يستوفيه ولا أقاله منه ولا ولاه أحدا حتى يقبضه المبتاع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1308 1296 - ( مالك ، عن داود بن الحصين ) بمهملتين ، مصغر ، الأموي ، مولاهم أبي سليمان المدني ثقة ، إلا في عكرمة ، ورمي برأي الخوارج لكن لم يكن داعية ، ووثقه ابن معين والنسائي والعجلي ، وكفى برواية مالك عنه توثيقا ( عن أبي سفيان ) قيل اسمه وهب ، وقيل قزمان ( مولى ) عبد الله ( بن أبي أحمد ) اسمه عبد بلا إضافة ، ابن جحش الأسدي الصحابي ، أخي زينب أم المؤمنين ( عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص ) بهمزة قبل الراء الساكنة من الإرخاص ، وفي رواية رخص بشد الخاء من الترخيص ( في بيع ) ثمر ( العرايا ) جمع عرية ( بخرصها فيما دون خمسة أوسق ) جمع وسق بفتح الواو على الأفصح ، وهو ستون صاعا ( أو في خمسة أوسق ، يشك داود ) شيخ الإمام ، هل ( قال ) شيخه أبو سفيان ( خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق ) وبسبب هذا الشك اختلف قول الإمام ، فقصر في المشهور الحكم على خمسة أوسق فأقل اتباعا لما وجد عليه العمل ، ولأن الخمسة أول مقادير المال [ ص: 398 ] الذي يجب فيه الزكاة من هذا الجنس ، فقصر الرفق على شرائها فما زاد عليها خرج إلى المال الكثير الذي يطلب فيه التجر مع ما فيه من المزابنة ، وعنه أيضا قصر الجواز على أربعة فأقل عملا بالمحقق ; لأن الخمسة شك فيها والعرايا رخصة أصلها المنع ، فيقصر الجواز على المحقق ، وسبب الخلاف أن النهي عن المزابنة وقع مقرونا بالرخصة في العرايا ، ففي الصحيح : " نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع التمر بالتمر ، ورخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها " . فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم ، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم . قال عياض : والتحديد إنما هو إذا اشتريت بخرصها أما بعين أو عرض فجائز لربها ولغيره وإن أكثر من خمسة ، قال : وفي الحديث دلالة على أن الرخصة إنما هي فيما يكال ، فيحتج به لأحد القولين ، يعني المشهور بتعميمها في التمر وكل ما ييبس ويدخر كالزبيب وغيره ، قال القرطبي : وهو الأولى لأن النص إنما هو في التمر ، واتفقوا على إلحاق الزبيب به ولا سبب لإلحاقه إلا أنه في معنى التمر فيلحق به كلما ييبس ويدخر . وروى محمد قصرها على التمر والزبيب ، وهذا الحديث مخصص لعموم الأحاديث . ورواه البخاري هنا عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ، وفي محل آخر عن يحيى بن قزعة ، ومسلم عن القعنبي ويحيى التميمي ، الأربعة عن مالك به .

                                                                                                          ( قال مالك : وإنما تباع العرايا بخرصها من التمر ، يتحرى ذلك ) بالبناء للمجهول ( ويخرص ) يحزر ( في رءوس النخل ) بأن يقول الخارص : هذا الرطب الذي على النخل إذا يبس يصير ثلاثة أوسق مثلا ، فيشتريها المعرى ممن أعراها له بثلاثة تمرا يعطيها له عند الجذاذ ، عند مالك وأصحابه ، وقال الشافعي وأحمد : لا يجوز إلا بالنقد . ( وإنما أرخص فيه ) وإن منع أصله فإنها كما قال عياض : مستثناة من أصول أربعة ممنوعة المزابنة ، وهو ظاهر الأحاديث ، وربا الفضل والنساء والعود في الهبة ( لأنه أنزل بمنزلة التولية ) لما اشتراه بما اشتراه ( والإقالة ) للبيع ( والشرك ) بكسر فسكون ، أي تشريك غيره فيما اشتراه بما اشتراه ، وكل من الثلاثة معروف ، فكذا العرية تجوز للمعروف أي لتتميم ; لأن المعرى ، بالفتح ، يلزمه القيام بها وحراستها وجمع سواقطها وعليه في ذلك كلفة ، فرخص لمعريها أن يشتريها ليكفيه تلك المؤن ، وقيل : علة ذلك رفع الضرر عن المعري لتضرره بدخول المعرى عليه في بستانه واطلاعه على أهله ، وعلله مالك وابن القاسم بكل واحد منهما على البدلية ، فقال في المدونة : يجوز للمعري شراء عريته لوجهين : إما لرفع الضرر ، وإما للرفق في كفايته ، وقيل : علته استخلاص الرقبة . ( ولو كان ) ما ذكر من الثلاث مسائل المقيس عليها ( بمنزلة غيره من البيوع ، ما أشرك أحد أحدا في طعامه حتى يستوفيه ) [ ص: 399 ] للنهي عن ذلك ( ولا أقاله منه ولا ولاه أحدا حتى يقبضه المبتاع ) للنهي الآتي عن بيع الطعام قبل قبضه ، فجواز المذكورات للمعروف .




                                                                                                          الخدمات العلمية