الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف فهو ربا قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئا من الحيوان بصفة وتحلية معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد فإنه يخاف في ذلك الذريعة إلى إحلال ما لا يحل فلا يصلح وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها فذلك لا يصلح ولا يحل ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1388 1370 - ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول : من أسلف سلفا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف ) ما يعلف للبهائم ( فهو ربا ) والمعنى وإن كان المشترط شيئا قليلا جدا ، قال أبو عمر : هذا كله يقتضي أنه لا ربا في الزيادة إلا أن تشترط ، والوأي والعادة من قطع الذرائع .

                                                                                                          وفي الحديث : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وقال أبو عمر : اتركوا الربا والريبة ، فالوأي والعادة هنا من الريبة .

                                                                                                          ( قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئا من الحيوان بصفة وتحلية ) عطف مساو ( معلومة فإنه لا بأس بذلك ، وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد ) الإماء جمع وليدة ، وهي الأمة ( فإنه يخاف في ذلك الذريعة ) الوسيلة ( إلى إحلال ما لا يحل ) من عارية الفروج ( فلا يصلح ) سلف [ ص: 502 ] الإماء .

                                                                                                          ( وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ، ثم يردها إلى صاحبها بعينها ) لأن القرض لا ينافي رد العين ، فللمقترض رد عين ما اقترض ( فذلك لا يحل ولا يصلح ، ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد ) فإن أمن ذلك جاز ، كإقراضها لذي محرم منها ، أو لامرأة أو لصغير اقترضها له وليه ، أو كانت في سن من لا تشتهى ، وهذا بناء على عكس العلة ، ومذهب المحققين انعكاسها إذا كانت بسيطة غير مركبة ، وانعكاسها هو انتفاء الحكم لانتفائها ، فإن وقع قرض الجارية على الوجه الممنوع فإن لم يطأ فسخ وردت إلى ربها ، وإن وطئت فقيل : تجب القيمة ، وقيل : المثل ، قاله الأبي ، واقتصر أبو عمر على مالك عن القيمة قال : ويمنع قرض الإماء ، قال الجمهور ومالك والشافعي : لأن الفروج لا تستباح إلا بنكاح أو ملك بعقد لازم ، والقرض ليس بعقد لازم ؛ لأن المقترض يرد متى شاء ، فأشبه الجارية المشتراة بالخيار ، ولا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار ، فيلزم العقد فيها ، وأجاز داود والمزني وابن جرير استقراض الإماء ، لأن ملك المقترض صحيح يجوز له فيه التصرف كله ، وكما جاز بيعه جاز قرضه ، وأجاز الجمهور استقراض الحيوان والسلم فيه لحديث أبي رافع وإيجابه - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ ودية شبه العمد ودية شبه العمد المجتمع على ثبوتها ، وذلك إثبات الحيوان بالصفة في الذمة ، فكذلك القرض والسلم ، ومنع ذلك الكوفيون وأبو حنيفة ؛ لأن الحيوان لا يوقف على حقيقة وصفه ، وادعوا نسخ حديث أبي رافع بحديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى في الذي أعتق نصيبه في عبد مشترك بقيمة نصف شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله .

                                                                                                          وقال داود وطائفة من الظاهرية : لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون للنهي عن بيع ما ليس عند البائع ، ولحديث : " من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " فخص المكيل والموزون من سائر ما ليس عند البائع .

                                                                                                          وقال الحجازيون : معنى ما ليس عنده من الأعيان وأما المضمون فلا .

                                                                                                          وقد أجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب عبده على مملوك بصفة ، وأجاز الجميع النكاح على حيوان موصوف وذلك تناقض منهم . اهـ ببعض اختصار .

                                                                                                          وليس في حديث ابن عمر دلالة على نسخ حديث أبي رافع لا نصا ولا ظاهرا ، ولذا قال عياض : لا يصح دعوى النسخ بلا دليل .




                                                                                                          الخدمات العلمية