الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني يحيى عن مالك عن ابن حماس عن عمه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذي على بعض سواري المسجد أو على المنبر فقالوا يا رسول الله فلمن تكون الثمار ذلك الزمان قال للعوافي الطير والسباع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1643 1595 - ( مالك عن ابن حماس ) بكسر الحاء المهملة وميم خفيفة فألف فسين مهملة كذا [ ص: 355 ] رواه يحيى ولم يسمه وهو يوسف بن يونس بن حماس ، وقال معن عن مالك عن يونس بن يوسف فقلبه ، وقال التنيسي وأبو مصعب عن مالك عن يوسف بن سنان أبدلا يونس فسمياه سنانا ، قال البخاري : والأول أصح .

                                                                                                          وذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان من عباد أهل المدينة ، لمح مرة امرأة فدعا الله فأذهب عينيه ثم دعا الله فردهما عليه .

                                                                                                          وروى عنه مالك وابن جريج ، وروى هو عن عطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ( عن عمه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتتركن ) بفتح أوله وضم الفوقية الأولى وإسكان الثانية ، وفتح الراء والكاف ونون التوكيد الثقيلة ونائب الفاعل ( المدينة على أحسن ما ) أي : حال ( كانت ) من العمارة وكثرة الأثمار وحسنها ، وفي رواية للصحيحين : على خير ما كانت .

                                                                                                          وفي أخبار المدينة لعمر بن شبة أن ابن عمر أنكر على أبي هريرة قوله " خير ما كانت " وقال : إنما قال صلى الله عليه وسلم : " أعمر ما كانت " وأن أبا هريرة صدقه على ذلك ( حتى يدخل الكلب أو الذئب ) للتنويع ويحتمل الشك ( فيغذي ) بضم التحتية وفتح الغين وكسر الذال الثقيلة المعجمتين ، أي : يبول دفعة بعد دفعة ( على بعض سواري ) أعمدة ( المسجد أو المنبر ) تنويع أو شك لعدم سكانه وخلوه من الناس ( فقالوا : يا رسول الله فلمن تكون الثمار ذلك الزمان ؟ قال : للعوافي الطير والسباع ) بالجر بدل أو عطف بيان للعوافي وهي الطالبة لما تأكل مأخوذ من عفوته إذا أتيته تطلب معروفه .

                                                                                                          قال النووي : الظاهر المختار أن هذا يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ، ويوضحه قضية الراعيين من مزينة فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة وهما آخر من يحشر كما في البخاري .

                                                                                                          وقال القاضي عياض : هذا مما جرى في العصر الأول وانقضى فإنها صارت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم دار الخلافة ومعقل الناس حتى تنافسوا فيها بالغرس والبناء وتوسعوا في ذلك وسكنوا منها ما لم يسكن قبل حتى بلغت المساكن ملء إهاب ، وجلبت إليها خيرات الأرض كلها فلما انتهت حالها كمالا انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق ، وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين والدنيا .

                                                                                                          أما الدين فلكثرة العلماء بها وكمالهم ، وأما الدنيا فلعمارتها وغرسها واتساع حال أهلها .

                                                                                                          قال : وذكر الأخباريون في بعض الفتن التي جرت بالمدينة وخاف أهلها أنه رحل عنها أكثر الناس وبقيت ثمارها أو أكثرها للعوافي وخلت مدة ثم تراجع الناس إليها .

                                                                                                          وحكى كثير من الناس [ ص: 356 ] أنهم رأوا في خلائها ذلك ما أنذر به من تغذية الكلاب على سواري المسجد ، وحالها اليوم قريب من ذلك ، فقد خربت أطرافها .

                                                                                                          قال الأبي : تأمل الكلام فإنه يعطي أن خلاءها حتى غذت الكلاب على سواري المسجد كان قريبا من زمن تناهي حالها أو انتقال الخلافة عنها ، وهذا لم يقع ولو وقع لتواتر بل الظاهر أنه لم يقع بعد ، ودليل المعجزة يوجب القطع بوقوعه في المستقبل لصحة الحديث ، وأن الظاهر كونه بين يدي نفخة الصعق كما يدل عليه موت الراعيين ، والمراد بخير ما كانت عليه من المصالح الدينية المتقدمة الذكر ، وإلى هذا كان يذهب شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة انتهى .

                                                                                                          وفي نفي وقوعه نظر مع نقل عياض عن كثير أنهم رأوا ذلك ولا يشترط التواتر في مثل هذا ، وهذا الحديث في البخاري من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس وعقيل عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بنحوه وزيادة .




                                                                                                          الخدمات العلمية