الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1849 1802 - ( مالك عن عبد الله بن دينار ) مولى ابن عمر ، ( عن أبي صالح ) ذكوان ( السمان ) بائع السمن : ( أنه أخبره أن أبا هريرة قال ) موقوفا ، وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ، أخرجه البخاري في الرقاق ، وأحمد ، والبزار ، ورواه ابن عبد البر من طريق الحسين المروزي ، عن عبد الله بن المبارك عن مالك عن ابن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الرجل ) ، وفي رواية البخاري : إن العبد ، فالمراد الإنسان حرا ، أو قنا ( ليتكلم بالكلمة ) عند ذي سلطان جائر مريدا بها هلاك مسلم ، أو المراد يتكلم غير حسناء ، ويعرض بمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بشريعة ، وإن كان غير معتقد ، وغير ذلك ( ما يلقي ) ، بضم الياء ، وكسر القاف في جميع الروايات ، ( لها بالا ) ، أي : لا يتأملها بخاطره ، ولا يتفكر في عاقبتها ، ولا يظن أنها تؤثر شيئا ، وهو من نحو قوله تعالى : ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) ( سورة النور : الآية 15 ) ، ( يهوي ) بفتح الياء ، وسكون الهاء ، وكسر الواو ( في نار جهنم ) ، قال عياض : أي : ينزل فيها ساقطا ، وجاء بلفظ : ينزل بها في النار ؛ لأن دركات النار إلى أسفل ، فهو نزول سقوط ، وقيل : أهوى من قريب ، وهوى من بعيد .

                                                                                                          ( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ) بالكلام المفيد رضوان الله ، ما يرضي الله تعالى ( ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة ) ، زاد في رواية البخاري : درجات .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : الكلمة الأولى هي التي يقولها عند سلطان جائر ، زاد ابن بطال : بالبغي ، أو بالسعي على المسلم ، فتكون سببا لهلاكه ، وإن لم يرد القائل ذلك ، لكنها ربما أدت إليه فيكتب [ ص: 640 ] على القائل إثمها ، والكلمة التي يرفع بها الدرجات ، ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن مسلم مظلمة ، أو يفرج بها عنه كربة ، أو ينصر بها مظلوما .

                                                                                                          وقال غيره : الأولى هي الكلمة عند ذي سلطان يرضيه بها فيما يسخط الله ، قال ابن التين : هذا هو الغالب ، وربما كانت عند غير السلطان ممن يتأتى منه ذلك .

                                                                                                          ونقل عن ابن وهب : أن المراد بها : التلفظ بالسوء والفحش ما لم يرد بذلك الحجة لأمر الله في الدين .

                                                                                                          وقال عياض : يحتمل أن تكون الكلمة من الخنا والرفث ، وأن يكون في التعريض بالمسلم بكبيرة ، أو مجون ، أو استخفاف بحق النبوة والشريعة ، وإن لم يعتقد ذلك .

                                                                                                          وقال العز بن عبد السلام : هي الكلمة التي لا يعرف قائلها حسنها من قبحها قال : فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه ، وقال النووي : فيه حفظ اللسان ، فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق ، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم ، وإلا أمسك .

                                                                                                          وقال الغزالي : عليك بالتأمل والتدبر في كل قول وفعل ، فقد يكون في جزع وتسخط ، فتظنه تضرعا وابتهالا ، ويكون في رياء محض ، وتحسبه حمدا وشكرا ، أو دعوة للناس إلى الخير ، فتعد المعاصي طاعات ، وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات ، فتكون في غرور شنيع ، وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس القرار .




                                                                                                          الخدمات العلمية