الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1126 [ ص: 219 ] مالك عن المسور بن رفاعة بن أبي مالك القرظي حديث واحد .

توفي المسور بن رفاعة هذا سنة ثمان وثلاثين ومائة .

مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير : أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاه عن تزوجها ، وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة .

[ ص: 220 ]

التالي السابق


[ ص: 220 ] قال أبو عمر : هكذا روى ( يحيى ) هذا الحديث عن مالك عن المسور عن الزبير ، وهو مرسل في روايته ، وتابعه على ذلك أكثر الرواة ( للموطأ ) إلا ابن وهب فإنه قال فيه : ( عن مالك ) عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمن عن أبيه فزاد في الإسناد عن أبيه فوصل الحديث ، وابن وهب من أجل من روى عن مالك هذا الشأن ، وأثبتهم فيه ، وعبد الرحمن بن الزبير هو الذي كان تزوج تميمة هذه ، واعترض عنها فالحديث مسند متصل صحيح ، وقد روي معناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه شتى ثابتة أيضا كلها ( وقد تابع ابن وهب على توصيل هذا الحديث وإسناده إبراهيم بن طهمان ، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قالوا فيه عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير ( عن أبيه ) ذكر حديث ابن طهمان النسائي في مسنده من حديث مالك ، وذكره ابن الجارود أخبرنا عبد الله قال : حدثنا تميم بن محمد قال : حدثنا عيسى بن مسكين ) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : [ ص: 221 ] حدثنا قاسم ( بن أصبغ ) قال : حدثنا ابن وضاح قالا جميعا : حدثنا سحنون قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها فطلقها ، ولم يمسها فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الذي كان طلقها قال : عبد الرحمن فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاه عن تزويجها ، وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة ، وقد ذكر هذا الحديث أيضا سحنون عن ابن وهب ، وابن القاسم ، وعلي بن زياد كلهم عن مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته ، وذكر الحديث ، وقال فيه عن هؤلاء الثلاثة عن مالك في هذا الإسناد عن أبيه ، والحديث صحيح مسند ، والزبير بن عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي فيهما جميعا كذلك روى يحيى وابن وهب وابن القاسم والقعنبي ، وغيرهم ، وقد روي عن ابن بكير أن الأول [ ص: 222 ] مضموم ، وروي عنه الفتح فيهما كسائر الرواة عن مالك في ذلك ، وهو الصحيح فيهما جميعا بفتح الزاي ، وهم زبيريون بالفتح في بني قريظة معروفون ( وهم بنو الزبير بن باطيا القرظي قتل يوم قريظة ، وله يومئذ قصة عجيبة محفوظة ) .

أخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليهما أن قاسم بن أصبغ حدثهما قال : أنبأنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها ، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت [ ص: 223 ] زوجها فقالت : والذي أكرمك بالحق ما معه إلا مثل هذه الهدبة فقال : فلا حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك ، هكذا قال عبد الرحمن بن الزبير بالفتح ، وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري قال : أخبرني عروة عن عائشة أنه سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني كنت عند رفاعة فبت طلاقي ، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير ، وإنما معه مثل هدبة الثوب ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ، قال : وأبو بكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالد بن سعيد بالباب فنادى يا أبا بكر فقال : ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ( هذا أصح حديث يروى في هذا الباب ، وأثبته من جهة الإسناد ) .

[ ص: 224 ] قال أبو عمر : حديث عروة عن عائشة في هذا الباب من رواية هشام بن عروة ، وابن شهاب عن عروة ، وإن كان إسنادا فإنه ناقص سقط منه ذكر طلاق ابن الزبير لتميمة بنت وهب ، وقد شبه به على قوم منهم ابن علية ، وداود لما فيه من قوله فاعترض عنها فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت زوجها ، وقالت : إنما معه مثل هدبة الثوب فظنوا أنها ( أتت ) شاكية بزوجها فلم يسأله عن ذلك ، ولا ضرب له أجلا ، وخلاها معه قالوا فلا يضرب للعنين أجل ، ولا يفرق بينه وبين امرأته ، وهو كمرض من الأمراض فخالفوا جمهور سلف المسلمين من الصحابة ، والتابعين ( في تأجيل العنين ) لما توهموه في حديث هذا الباب ، وليس فيه موضع شبهة ; لأن مالكا وغيره قد ذكروا طلاق عبد الرحمن بن الزبير للمرأة فكيف يضرب أجل لمن قد فارق امرأته ، وطلقها قبل أن يمسها حدثني قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا بشر بن ثابت قال : حدثنا شعبة قال : ( حدثنا ) يحيى [ ص: 225 ] بن أبي إسحاق أخبرني أبي قال : سمعت سليمان بن يسار يحدث عن عائشة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها فأراد الأول أن يتزوجها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا حتى تذوقي عسيلته فقد بان بهذا الحديث أنه طلقها قبل أن يدخل بها ، وهو حديث لا مطعن لأحد في ناقليه ، وكذلك حديث مالك في ذلك فيه فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، وإذا صحت مفارقته لها ، وطلاقه إياها بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث ، وقد قضى بتأجيل العنين عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، ولا مخالف لهم من الصحابة ، إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب مختلف فيه ذكره ابن عيينة عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ قال : أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت : هل لك في امرأة لا أيم ولا ذات زوج ؟ فقال أين زوجها ؟ فذكر الحديث ، وفيه فقال لها علي ( بن أبي طالب ) : اصبري فلو شاء الله أن يبتليك بأشد من ذلك لابتلاك ، ورواه محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي ، وليس هذا الإسناد مع اضطرابه مما يحتج به .

[ ص: 226 ] وذكر عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن يحيى بن الجزار عن علي قال : يؤجل العنين سنة فإن أصابها ، وإلا فهي أحق بنفسها ، وروى يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير الهمداني عن الضحاك بن مزاحم أن عليا أجل العنين سنة .

وهذان الإسنادان إن لم يكونا مثل إسناد هانئ وعمارة لم يكونا أضعف ، والأسانيد عن سائر الصحابة ثابتة ( من قبل الأئمة ) ، وعليها العمل ، وفتوى فقهاء الأمصار مثل مالك ، والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي ، وجماعة فقهاء الحجاز والعراق ، إلا طائفة من المتأخرين .

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قضى عمر بن الخطاب في الذي لا يستطيع النساء أن يؤجل سنة . قال معمر يؤجل سنة من يوم ترافعه كذلك بلغني .

قال أبو عمر : على هذا جماعة القائلين بتأجيل العنين من يوم ترافعه بخلاف أجل المولى ، وذلك والله أعلم ; لأن المولى مضار قادر على الفيء ، ورفع الضرر عالم بشكوى زوجته إياه حتى تشكوه فجعل له أجل سنة لما في السنة من اختلاف الزمن بالحر ، والبرد ليعالج نفسه فيها ، والله أعلم .

[ ص: 227 ] وأصل المسألة اتباع السلف ، وليس في حديثنا في هذا الباب ما يوجب للعنين حكما فلذلك تركنا اختلاف أحكامه ، وفيه من الفقه إباحة إيقاع الطلاق البات طلاق الثلاث ولزومه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على رفاعة إيقاعه له ، كما أنكر على ابن عمر طلاقه في الحيض ، وظاهر هذا الحديث من رواية مالك ومن تابعه في قوله : إن رفاعة طلق امرأته ثلاثا ، إنها كانت مجتمعات فعلى هذا الظاهر جرى قولنا ، وقد يحتمل أن يكون طلاقه ذلك آخر ثلاث تطليقات ، ولكن الظاهر لا يخرج عنه إلا ببيان ، وقد نزع بهذا الحديث من أباح وقوع الثلاث مجتمعات ، وجعل وقوعها في الطهر سنة لازمة ، وهذا موضع اختلاف بين الفقهاء ، وقد أوضحناه في باب عبد الله بن يزيد ، وفي باب نافع أيضا ، والحمد لله .

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ دليل على أن إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها ، وأنها ليست بذلك في معنى التحليل المستحق صاحبه اللعنة .

[ ص: 228 ] ( وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى على ما نذكره بعد إن شاء الله ) ، وفي هذا الحديث دليل على أن المطلقة ثلاثا لا يحلها لزوجها المطلق لها إلا طلاق زوج قد وطئها ، وأنه إن لم يطأها ، وطلقها فلا تحل لزوجها ( أي الأول ) .

وفي هذا الحديث تفسير لقول الله عز وجل ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) وهو يخرج في التفسير المسند ، وذلك أن لفظ النكاح في جميع القرآن إنما أريد به العقد لا الوطء إلا في قوله عز وجل ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) فإنه أريد بلفظ النكاح هاهنا العقد والوطء جميعا بدليل السنة الواردة في هذا الحديث ، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحل له حتى تذوق العسيلة ، والعسيلة هاهنا الوطء لا يختلفون في ذلك .

وفي هذا حجة واضحة لما ذهب إليه مالك في الإيمان أنه لا يقع التحليل منها والبر ، إلا بأكمل الأشياء ، وأن التحريم يقع بأقل شيء ، ألا ترى أن الله عز وجل لما حرم على الرجل ( نكاح ) حليلة ابنه وامرأة أبيه ، وكان الرجل إذا عقد [ ص: 229 ] على امرأة نكاحا ، ولم يدخل بها ، ثم طلقها أنها حرام على ابنه وعلى أبيه ؟ وكذلك لو كانت له أمة فلمسها بشهوة أو قبلها حرمت على ابنه وعلى أبيه ؟ فهذا يبين لك أن التحريم يقع على المرء بأقل شيء ، وكذلك لو طلق بعض امرأة طلقت كلها ، وكذلك لو ظاهر من بعضها لزمه الظهار الكامل ، ولو عقد على امرأة بعض نكاح أو على بعض امرأة نكاحا لم يصح ، وكذلك المبتوتة لا يحلها عقد النكاح عليها حتى يدخل بها زوجها ويطأها وطأ صحيحا .

ولهذا قال مالك في نكاح المحلل : إنه يحتاج أن يكون نكاح رغبة لا يقصد به التحليل ، ويكون وطؤه لها وطأ مباحا لا تكون صائمة ، ولا في حيضتها ، ويكون الزوج بالغا مسلما .

( وقد يعترض على هذا الأصل في البر ، والحنث ( بأن ) التحريم لا يصح في الربيبة بالعقد حتى ينضم إلى ذلك الدخول بالأم ، وهذا إجماع ، وإنما الخلاف في الأم ، ولهذا نظائر .

وقال الشافعي : إذا أصابها بنكاح صحيح ، وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق العسيلة ، وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه ، وسواء أدخله بيده أو بيدها ، وكان ذلك من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما ( يغيبه ) كما الخصي .

[ ص: 230 ] قال : وإن أصاب الذمية ، وقد طلقها مسلم أو زوج ذمي بنكاح صحيح أحلها .

قال : ولو أصابها الزوج محرمة أو صائمة أحلها ، وهذا كله ما وصف الشافعي قول أبي حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وقول بعض أصحاب مالك ، وانفرد الحسن البصري بقوله : لا يحل المطلقة ثلاثا إلا وطء يكون فيه إنزال ، وذلك معنى ذوق العسيلة عنده ، ولا يحلها عنده التقاء الختانين ، ولم يتابعه على ذلك غيره ، وانفرد سعيد بن المسيب رحمه الله من بين سائر أهل العلم بقوله : إن من تزوج المطلقة ثلاثا ، ثم طلقها قبل أن يمسها فقد حلت بذلك النكاح ، وهو العقد لا غير ، لزوجها الأول على ظاهر قول الله عز وجل ( حتى تنكح زوجا غيره ) قال : فقد نكحت زوجا ( يلحقه ) ولدها ، ويجب الميراث بينهما .

قال أبو عمر : أظنه ، والله أعلم ، لم يبلغه حديث العسيلة هذا ، ولم يصح عنده ، وأما سائر العلماء متقدمهم ومتأخرهم فيما علمت فعلى القول بهذا الحديث على ما وصفنا .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر ( قال : ) حدثنا أبو داود : حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ، عن [ ص: 231 ] الأعمش عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره ، فدخل بها ، ثم طلقها قبل أن يواقعها ، أتحل لزوجها الأول ؟ قال : لا ، حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها وقد روى هذا الحديث أبو هريرة عن عائشة .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : حدثنا عبد الله [ ص: 232 ] الداناج عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : حدثتني أم المؤمنين ، ولا أراها إلا عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تحل للأول حتى يذوق الآخر عسيلتها ( واختلف العلماء أيضا في نكاح المحلل ، وهو من هذا الباب فقال مالك : المحلل لا يقيم على نكاحه حتى يستكمل نكاحا جديدا ، فإن أصابها فلها مهر مثلها ، ولا تحلها إصابته لزوجها الأول ، وسواء علما أو لم يعلما إذا تزوجها ليحلها ، ولا يقر على نكاحه ، ويفسخ ، وقول الثوري والأوزاعي والليث مثل قول مالك .

( وروي عن الليث في نكاح الخيار ، والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطل ، وهو قول ابن أبي ليلى في ذلك ، وفي نكاح المتعة ، وروي عن الأوزاعي أنه قال في نكاح المحلل : بئسما صنع ، والنكاح جائز .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : النكاح جائز إذا دخل بها ، وله أن يمسكها إن شاء ) .

وقال أبو حنيفة وأصحابه مرة : لا تحل للأول إذا تزوجها الآخر ، ومرة قالوا تحل ( له ) بهذا النكاح إذا جامعها [ ص: 233 ] وطلقها ، ولم يختلفوا أن نكاح هذا الزوج صحيح ، وله أن يقيم عليه .

وقال الشافعي إذا قال : أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة ، وهو فاسد لا يقر عليه ، ويفسخ ، ولا يطأ إن دخل بها ، ولو وطئ على هذا لم يكن وطؤه تحليلا فإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط هو ولا اشترط عليه التحليل فللشافعي في كتابه القديم قولان في ذلك : أحدهما مثل قول مالك ، والآخر مثل قول أبي حنيفة ، ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط ( وهو قول داود ) .

وروى الحسن بن زياد عن زفر إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ، ويكونا محصنين بهذا التزويج مع الجماع ، وتحل للأول قال : وهو قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : النكاح على هذا الشرط فاسد ، ولها مهر المثل بالدخول ، ولا يحصنها هذا ، ولا يحلها لزوجها الأول ، ولمحمد بن الحسن عن نفسه ، وعن أصحابه اضطراب كثير في هذا الباب ( وقال الحسن ، وإبراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح ، وقال سالم ، والقاسم : [ ص: 234 ] لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان ، قالا : وهو مأجور ، وقال ربيعة ، ويحيى بن سعيد : إن تزوجها ليحلها فهو مأجور ، وقال داود بن علي : لا أبعد أن يكون مريد نكاح المطلقة ليحلها لزوجها مأجورا إذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد ; لأنه قصد إرفاق أخيه المسلم ، وإدخال السرور عليه إذا كان نادما مشغوفا فيكون فاعل ذلك مأجورا إن شاء الله .

وقال أبو الزناد : إن لم يعلم واحد منهما فلا بأس بالنكاح ، وترجع إلى زوجها الأول ، وقال عطاء : لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه ) .

قال أبو عمر : روى علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو هريرة ، وعقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لعن الله المحلل ، والمحلل له وقال عقبة في حديثه : ألا أخبركم بالتيس المستعار هو المحلل ، ولفظ التحليل في هذه الأحاديث يحتمل أن يكون مع الشرط كما قال الشافعي ( وهو الأظهر فيه ; لأن إرادة المرأة إذا لم يقدح في العقد ، ولها فيه حظ فالنكاح كذلك ، والمطلق أحرى أن لا يراعي ، فلم يبق ( إلا ) أن يكون معنى الحديث إظهار الشرط فيكون كنكاح المتعة ويبطل ، هذا هو الصحيح ، والله أعلم ) ويحتمل [ ص: 235 ] أن يكون إذا نوى أن يحلها لزوجها كان محللا ( لقوله الأعمال بالنية ) ، وقد روي عن عمر بن الخطاب في هذا تغليظ شديد قوله : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ، وقال ابن عمر التحليل سفاح ( وقال الحسن وإبراهيم : إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح ، وقال سالم والقاسم : لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوج ، وإلا فهو مأجور ، وهذا يحتمل أن يكون المحلل الملعون عندهما من شرط ذلك عليه ، والله أعلم . وإلا فظاهر الحديث يرد قولهما ، وقال عطاء : لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه ) ( ولا يحتمل قول ابن عمر إلا التغليظ ; لأنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجا حراما جهل تحريمه ، وعذره بالجهالة ، فالمتأول أولى بذلك ، ولا خلاف أنه لا رجم عليه ) حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال : ( حدثنا ) إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي قال : حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبد الملك بن المغيرة أن رجلا سأل ابن عمر فقال : كيف ترى في التحليل ؟ فقال عبد الله بن عمر : لا أعلم ذلك إلا السفاح .




الخدمات العلمية