الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5046 - وعن المستورد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ، ومن كسي ثوبا برجل مسلم ; فإن الله يكسوه مثله من جهنم ، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء ; فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء يوم القيامة " . رواه أبو داود .

التالي السابق


5046 - ( وعن المستورد ) أي : ابن شداد يقال : إنه كان غلاما يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه سمع منه وروى عنه جماعة . ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أكل برجل مسلم ) أي : بسبب غيبته أو قذفه أو وقوعه في عرضه أو بتعرضه له بالأذية عند من يعاديه ( أكلة ) بضم أي لقمة وفي نسخة بالفتح أي مرة من الأكل .

[ ص: 3159 ] ( فإن الله تعالى يطعمه مثلها ) أي : قليلا أو كثيرا ( من جهنم ) أي : من نارها أو من عذابها ( ومن كسا ) : بصيغة الفاعل أي ألبس شخصا ( ثوبا برجل مسلم ) أي : بسبب إهانته ، وفي نسخة بصيغة المفعول ، وهو المناسب للقرينة السابقة ، وقيل : معنى الأول كسا نفسه ثوبا . ومعنى الثاني اكتسى ثوبا فصار مآلهما واحدا . وفي النهاية : معناه الرجل يكون صديقا ثم يذهب إلى عدوه فيتكلم فيه بغير الجميل ليجيزه عليه بجائزة فلا يبارك الله له فيها . قال الطيبي : فعلى هذا فالباء في برجل للسببية ، والجائزة عامة في المطعوم والملبوس ، وعليه كلام أكثر الشارحين . ( فإن الله يكسوه مثله من جهنم ، ومن قام برجل ) : الباء للتعدية والمراد بالرجل نفسه أو غيره ( مقام سمعة ورياء ، فإن الله يقوم ) أي : منتصرا ومنتقما ( له ) أي : لأجل إفضاح القائم به ( مقام سمعة ورياء يوم القيامة ) . وهو كناية عن إفضاحه إياه الناشئ عن مقت الله ، وقد جاء في رواية الطبراني ، عن عبد الله الخزاعي مرفوعا : " من قام مقام رياء وسمعة ، فإنه في مقت الله حتى يجلس " .

قال التوربشتي أي : من قام ينسبه إلى ذلك ويشهره به فيما بين الناس فضحه الله وشهره بذلك على رءوس الأشهاد يوم القيامة ، وعذبه عذاب المرائين . وقال المظهر : الباء في ( برجل ) يحتمل أن تكون للتعدية وللسببية ، فإن كانت للتعدية يكون معناه من أقام رجلا مقام سمعة ورياء يعني من أظهر رجلا بالصلاح والتقوى ليعتقد الناس فيه اعتقادا حسنا ، ويعزونه ويخدمونه ، ويجعله حبالا ومصيدة ، كما يرى في زماننا لينال بسببه المال والجاه ، فإن الله يقوم له مقام سمعة ورياء بأن يأمر ملائكته بأن يفعلوا معه مثل فعله ، ويظهروا أنه كذاب ، وإن كانت للسببية ، فمعناه أن من قام وأظهر من نفسه الصلاح والتقوى لأجل أن يعتقد فيه رجل عظيم القدر كثير المال ليحصل له مال وجاه ، كما يقول الناس في العرف : هذا زاهد الأمير .

قال الطيبي : ومعنى الكناية عن التهديد في قوله : فإن الله يقوم له كما في قوله تعالى : سنفرغ لكم أيها الثقلان الكشاف : سنفرغ مستعار من قول الرجل لمن يهدده سأفرغ لك أي سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه حتى لا يكون لي شغل سواه ، والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه . وقال الأشرف : معنى السببية لا يستقيم في قوله : ومن كسا ثوبا برجل مسلم فالباء فيه صلة . قلت : وهذا لا يستقيم أيضا إذ يصير التقدير ومن كسا ثوبا رجلا مسلما وهو فاسد المعنى ، فالوجه ما قدمناه كما لا يخفى ، ثم رأى الطيبي قال : ولعله أراد أن ( كسا ) متعد إلى مفعولين ، وليس هنا إلا مفعول واحد ، فيجب أن يكون برجل ثاني مفعوليه ، وفيه نظر لما يؤدي إلى فساد المعنى كما لا يخفى ، فالواجب أن يقدر من كسا نفسه ثوبا برجل . ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية