الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5113 - وعن عطية بن عروة السعدي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما يطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " .

رواه أبو داود .

التالي السابق


5113 - ( وعن عطية بن عروة السعدي ) : منسوب إلى سعد ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الغضب من الشيطان ) أي : من أثر وسوسته ( وإن الشيطان خلق من النار ) : قال تعالى : ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) ، وقال : ( خلقتني من نار ) ، وهذا دليل على أنه من الجن ; لأن الملائكة خلقوا من النور ، ومعنى خلقه منها أن عنصره الناري غالب على سائر أجزائه ، بخلاف الإنسان ( وإنما يطفأ ) : بصيغة المجهول مهموز أي : يدفع ( النار ) ، أي : الحسية ( بالماء ) أي : الحقيقي ( فإذا غضب أحدكم ) أي : واشتعلت نار غضبه من جوفه ، ويريد إحراق المغضوب عليه بنوع من عذابه . ( فليتوضأ ) : فإن الوضوء مركب [ ص: 3194 ] معجون من الماء الحسي والمطهر المعنوي المؤثر في الظاهر والباطن ، وهذا من طب الأنبياء الذي غفلوا عنه الحكماء ، وأغرب الطيبي حيث أخرج الحديث عن حقيقته الأصلية من غير باعث من الأمور النقلية والعقلية فقال : أراد أن يقول : إذا غضب أحدكم ، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ; فإن الغضب من الشيطان ، فصور حالة الغضب ومنشأه ، ثم الإرشاد إلى تسكينه ، فأخرج الكلام هذا المخرج ليكون أجمع وأنفع ، وللموانع أزجر ، وهذا التصوير لا يمنع من إجرائه على الحقيقة لأنه من باب الكناية اهـ .

والصواب أن الاستعاذة علاج آخر مستقل كما ورد به الأثر على ما ذكره الجرزي في الحصن ، حيث قال : ومن غضب فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ، ونسبه إلى البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي عن سليمان بن صرد ، وهو مقتبس من قوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ورواه ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة بلفظ : " إذا غضب الرجل فقال : أعوذ بالله سكن غضبه " وجملة الأمر أن هذا علاج قولي سهل التنازل والحصول ، والوضوء معالجة فعلية صعب الوصول ، لا سيما والوضوء مقدمة للصلاة ، فهو بمنزلة المعجون المسهل المخرج للمواد الفاسدة من أصلها ، وأما مجرد الاستعاذة فهم بمنزلة الاستفراغ لتخلية المعدة من آثار التخمة ، وحاصله أن الحكيم الكامل يدرج في المعالجة ، ويعلم مزاج كل صاحب علة بما يوافقه ، ويناسبه من خواص الأشياء المفردة والمركبة وأنواع الغضب كالأمراض المختلفة فعلى العليل أن يسلم تسليما ويجعل حسه بين يدي الطيب الحبيب الكامل كالميت بين يدي الغاسل ، وخلاصة الكلام أنه إذا أحس بالغضب ، فليتعوذ بالله أولا ، ثم إذا رأى أنه ما يزول له يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين لله تعالى ، فإنه دواء صبر كريه على الطبع الشيطاني والمزاج النفساني ، بل هو كعروق السوس يخرج كل مرض مدسوس . قال تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( رواه أبو داود ) : وكذا أحمد .




الخدمات العلمية