الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5350 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : " لا يا بنت الصديق ! ولكنهم الذين يصومون ، ويصلون ، ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم ، أولئك الذين يسارعون في الخيرات " رواه الترمذي ، وابن ماجه .

التالي السابق


5350 - ( وعن عائشة ، قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية : والذين يؤتون ما آتوا أي : يعطون ما أعطوه من الزكاة والصدقات ، وقرئ ( يأتون ما أتوا ) بالقصر ، أي : يفعلون ما فعلوه من الطاعات ، وقلوبهم وجلة أي : خائفة أن لا يقبل منهم ، وأن لا يقع على الوجه اللائق فيؤاخذون به ، وتمامه : أنهم إلى ربهم راجعون ، أي : لأن مرجعهم إليه ، أولئك الذين يسارعون في الخيرات ، أي : يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها ، وهم لها سابقون أي : لأجلها فاعلون السبق أو سابقوا الناس إلى الطاعات أو الثواب أو الجنة .

قال الطيبي - رحمه الله - : هو كذا في نسخ المصابيح ، وهي القراءة المشهورة ، ومعناه يعطون ما أعطوا ، وسؤال عائشة - رضي الله تعالى عنها - : ( أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ) لا يطابقها ، وقراءة رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : ( يأتون ما أتوا ) بغير مد أي : يفعلون ما فعلوا ، وسؤالها مطابق لهذه القراءة ، وهكذا هو في تفسير الزجاج والكشاف ، قلت : مؤدى القراءتين واحد ، لا المراد بالقراءة الشاذة المنسوبة إليه - صلى الله تعالى عليه وسلم - قبل قطع طرق التواتر يفعلون ما فعلوه من الطاعة ؛ لأن ما ظنت عائشة - رضي الله عنها - أن المراد به ما فعلوه من المعصية ، ولا المعنى الأعم من الخير والشر لعدم مطابقته لقوله سبحانه أولئك يسارعون في الخيرات ( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - : ( " لا " ) أي : ليسوا هم ، أو ليس المراد من الآية أمثالهم ( " يا بنت الصديق " ) وفى نسخة يا ابنة الصديق ، وفى هذا النداء منقبة عظيمة لها ولأبيها على وجه التحقيق ، فكأنه قال : ليس كذلك وأنت الصادقة على ما هو المتعارف من حسن الآداب بين الأحباب ، ( " ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون " ) فهذا تفسير لقوله تعالى : والذين يؤتون ما آتوا على القراءتين غايته أن في كل نوع منهما تغليب ، فالمشهورة ظاهرها متعلق بالعبادة المالية ، كما أن الشاذة تتعلق بالطاعة البدنية ، على أن المشهورة يمكن أن يقال في تفسيرها : يعطون من أنفسهم ما أعطوا من الطاعات فيشمل النوعين من العبادة ، ( " وهم يخافون أن لا يقبل منهم " ) أي : إلا أنهم يخافون مما فعلوا بدليل قوله تعالى : ( أولئك الذين يسارعون في الخيرات ) ، فإنه لا يصح أن يحمل على شربة الخمر وسرقة المال وسائر السيئات . ( رواه الترمذي وابن ماجه ) .

[ ص: 3353 ]



الخدمات العلمية