الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3700 ] 5782 - وعن أنس ، رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير ، وليس بالأبيض الأمهق ، ولا بالآدم ، وليس بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء وفي رواية يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان ربعة من القوم ، ليس بالطويل ، ولا بالقصير ، أزهر اللون . وقال : كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أنصاف أذنيه ، وفي رواية : بين أذنيه وعاتقه . متفق عليه .

وفي رواية للبخاري ، قال كان ضخم الرأس والقدمين ، لم أر بعده ولا قبله مثله ، وكان سبط الكفين وفي أخرى له ، قال : كان شثن القدمين والكفين .

التالي السابق


5782 - ( وعن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله ليس بالطويل البائن ) ، أي : الباعد عن حد الاعتدال ، والمفرط طولا الذي يعد من قدر الرجال الطوال ، أو الظاهر البين طوله من بان إذا بعد أو ظهر ( ولا بالقصير ) ، أي : المتردد كما في رواية ، والحاصل أنه كان معتدل القامة ، لكن إلى الطول أميل ، فإن النفي انصب إلى قيد وصف البائن ، فثبت أصل الطول ونوع منه ، فهو بالنسبة إلى الطول البائن قصير ، ولذا قيد نفي القصير بالمتردد ، ويؤيده أنه جاء في رواية أنه ربعة إلى الطول ، وهذا إنما هو في حد ذاته ، وإلا فما ماشاه طويل إلا غلبه - صلى الله عليه وسلم - في الطول ، ( وليس بالأبيض الأمهق ) ، أي : الذي بياضه خالص لا يشوبه حمرة ولا غيرها ، كلون الثلج والبرص واللبن ، فالمراد أنه كان نير البياض ، وقد جاء في رواية أنه كان بياضه مشوبا بالحمرة ، وهو أحسن أنواع الألوان المستحسنة عند الطباع الموزونة ، وهذا معنى قوله : ( ولا بالآدم ) ، أي : الشديد السمرة ( وليس بالجعد القطط ) ، بفتحتين وتكسر الثانية أي : الشديد الجعودة كشعور الحبش ( ولا بالسبط ) ، بكسر الموحدة وفتحها وسكونها ، وهو من السبوطة ضد الجعودة وهو الشعر المنبسط المسترسل كما في غالب شعور الأعاجم ، ففي القاموس : السبط ويحرك وككتف نقيض الجعودة ، فالمعنى أن شعره - صلى الله عليه وسلم - كان وسطا بينهما ( بعثه الله على رأس أربعين سنة ) : المشهور أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث بعد استكمال أربعين سنة ، فالمراد بالرأس آخر السنة كما في قول القراء والمفسرين من أن رءوس الآي أواخرها سواء أريد بلفظ الأربعين السنة التي تنضم إلى تسعة وثلاثين ، أو مجموع السنين من أول الولادة إلى استكمال أربعين سنة ، هذا وقال صاحب جامع الأصول : أن الصحيح عند أهل العلم بالأثر أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة " . ( فأقام بمكة عشر سنين ) ، أي : على خلاف في ثلاث ، وإلا فالصحيح أن عمره - صلى الله عليه وسلم - ثلاث وستون ، فمن قال ستين ألغى الكسر ، ومن قال خمسا وستين أدخل سنة الولادة والوفاة ، ثم العشر بسكون الشين ، وأما ما ضبط في بعض النسخ المصححة بفتحها أيضا فغير معروف . ( وبالمدينة عشر سنين ، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس ) أي : والحال أنه لا يوجد عند وفاته ( في رأسه ولحيته عشرون شعرة ) : بسكون العين ويفتح ( بيضاء ) . يعني بل ما عددت فيها إلا أربع عشرة شعرة بيضاء كما تقدم والله أعلم .

( وفي رواية يصف ) أي : ينعت أنس ( النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان ربعة ) : بسكون الموحدة وقد تفتح ( من القوم ) : يقال : رجل ربعة ومربوع إذا كان بين الطويل والقصير فقوله : ( ليس بالطويل ، ولا بالقصير ) ، تفسير وبيان له ( أزهر اللون ) . خبر بعد خبر لكان أي نير اللون وحسنه ، وهو المتوسط بين الحمرة والبياض ذكره شارح . وقال الطيبي نقلا عن القاضي : الأزهر الأبيض المستنير ، والزهر والزهرة البياض النير ، وهو أحسن الألوان . ( وقال ) أي : أنس ( كان شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) بفتح العين ويسكن ( إلى أنصاف أذنيه ) . بضم : الذال ويسكن .

( وفي رواية : بين أذنيه وعاتقه . متفق عليه ) .

( وفي رواية للبخاري ، قال : كان ضخم الرأس ) أي : عظيمه وهو ممدوح عند العرب لدلالته على عظمة صاحبه وسعادته ، وإشارته ، إلى كمال رياسته وسيادته ( والقدمين ) : للإيماء إلى الشجاعة والثبات والقوة في العبادات ( لم أر بعده ) أي : بعد شهوده ( ولا قبله ) أي : قبل وجوده ( مثله ) أي : مماثلا ومساويا له في جميع مراتب الكمال خلقا في الأحوال ، وهذا فذلكة شاهدة لعجزه عن مراتب وصفه ومناقب نعته ، ( وكان سبط الكفين ) . أي : غليظهما . قال أبو عبيدة : يعني أنهما إلى الغلظ والقصر أميل ، وقال غيره : هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر ، ويحتمل أن يكون كناية عن الجود لأن العرب تقول للبخيل : جعد الكف ، وفي ضده سبط الكف . ( وفي أخرى له ) ، أي : للبخاري ( قال : كان شثن القدمين والكفين ) . بسكون المثلثة أي : غليظ الأطراف من شثن بالضم والكسر إذا غلظ ، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم ، وأدل على قوتهم ، ويذم في النساء لفوات المطلوب منهن وهو الرعاية ، ثم المراد غلظ العضو في الخلقة لا خشونة الجلد ، لما صح عن أنس : ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 3701 ]



الخدمات العلمية