الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
682 - وعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي ، فقال : ( إذا سافرتما فأذنا وأقيما ، وليؤمكما أكبركما ) . رواه البخاري .

التالي السابق


682 - ( وعن مالك بن الحويرث ) قيل : هو من قبيلة الليث ، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقام عنده عشرين ليلة ، وسكن البصرة ، قاله الطيبي . ( قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي ) بالرفع على العطف ، وبالنصب على أنه مفعول معه ( فقال ) أي : لنا ( إذا سافرتما فأذنا فأقيما ) أي : للصلاة المكتوبة ، وفي نسخة صحيحة : ( وأقيما ) يعني : يؤذن أحدكما ويقيم ، والخيار إليكما عند استوائكما ( وليؤمكما أكبركما ) أي : سنا لسبقه بالإسلام أو رتبة ، إذ الغالب فيه أن يكون أعلم بالأحكام أي : أفضلكما ، واقتصر عليه ابن حجر ، وفيه تفضيل للإمامة ، قال ابن الملك : الحديث يدل على أن الأذان لا يختص بالأكبر والأفضل ، بخلاف الإمامة فإنه يندب فيها إمامة الأكبر سنا أو رتبة ، ونقل ميرك عن الأزهار أن داود احتج بقوله عليه السلام : " فأذنا وأقيما " على أن الأذان والإقامة فرضا عين . قلت : ينبغي أن يكون هذا القول باطلا بالإجماع ، لأنهما لو كانا فرضي عين لأتى بهما كل من النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة في كل صلاة ، ولو فعل لنقل إلينا . ثم قال : واحتج أحمد وجماعة بقوله عليه السلام : ( فليؤذن لكم أحدكم ) على أنهما فرضا كفاية ، يعني بناء على أن الأصل في الأمر الوجوب وهو ظاهر ، ثم قال : قال الشافعي : والأكثرون على أنهما سنتان لما مر في حديث الإغارة .

قلت : ظاهر ذلك الحديث يقتضي الفرضية لا السنية ، إذ جعل شعار الإسلام وبتركه جوز ترتب الانتقام ، ثم قال : وقوله عليه السلام في حديث المسيء ( إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة وكبر ) ولم يأمره بالأذان . قلت : الحديث مع عدم استيعابه الشروط ، كترك ستر العورة لا يصلح أن يكون حجة على أبي داود ، فضلا عن أحمد ، إذ الأذان ليس من الشرائط ، ولا من الأركان بالإجماع ، فلا يلزم من إعادة الصلاة لإساءة فيها إعادة

[ ص: 575 ] الأذان ، مع أن أذان غيره كاف له عند غير داود . ثم قال : ولقوله عليه السلام ( إذا كان أحدكم بأرض فلاة فدخل عليه وقت الصلاة فإن صلى بلا أذان ولا إقامة صلى وحده ، إن صلى بإقامة صلى معه ملك ، وإن صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صف من الملائكة ، أولهم بالمشرق وآخرهم بالمغرب ) أورده الفقهاء .

قلت : ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا مع أن لأحمد أن يخص الحكم حالة الجماعة لا حالة الانفراد كما يشعر به الحديث والله أعلم .

وقال المحقق ابن الهمام - عند قول صاحب الهداية " الأذان سنة " - : هو قول عامة الفقهاء ، وكذا الإقامة ، وقال بعض مشايخنا : واجب لقول محمد : لو اجتمع أهل بلد على تركه قاتلناهم عليه ، وأجيب : بكون القتال لما يلزم من الإجماع على تركه استخفافهم بالدين بخفض إعلامه ، لأن الأذان من إعلام الدين ، وعند أبي يوسف : يحبسون ويضربون ولا يقاتلون بالسلاح ، كذا نقله بعضهم بصورة نقل الخلاف ، ولا يخفى أن لا تنافي بين الكلامين بوجه ، فإن المقاتلة إنما تكون عند الامتناع وعدم القهر لهم ، والضرب والحبس إنما يكون عند قهرهم ، فجاز أن يقاتلوا إذا امتنعوا عن قبول الأمر بالأذان ، فإذا قوتلوا فظهر عليهم ضربوا وحبسوا ، وقد يقال : عدم الترك مرة دليل على الوجوب ، فينبغي وجوب الأذان كذلك ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلدة بالإجماع على تركه إذا قام به غيرهم ولم يضربوا ولم يحبسوا .

قلت : لعله أراد بعدم ظهور كونه على الكفاية بالنسبة إلى جميع البلدان ، وإلا لا شك أنه إذا أذن أحد في بلد سقط وجوبه عن الباقين ، ثم قال : وفي " الدراية " عن علي بن الجعد ، عن أبي حنيفة ، وأبى يوسف : لو صلوا في الحضر الظهر والعصر بلا أذان وإقامة أخطئوا السنة وأثموا ، وهذا وإن كان لا يستلزم وجوبه لجواز كون الإثم لتركهما معا فيكون الواجب أن لا يتركها معهم لكن يجب حمله على أنه لا يجاب الأذان لظهور ما ذكرناه من دليله . ( رواه البخاري ) قال ميرك : ورواه الجماعة ، والمعنى عندهم متقارب ، وبعضهم ذكر فيه قصة ، كذا قاله الشيخ الجزري .




الخدمات العلمية