الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1292 - وعن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه ، قال : قلت لأبي : يا أبت ! إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين ، أكانوا يقنتون ؟ قال ، أي بني ! محدث . رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


1292 - ( وعن أبي مالك الأشجعي ) : قال في التقريب : والده صحابي ، واسمه سعد بن طارق بن الأشيم على وزن الأحمر ، ( قال : قلت لأبي : يا أبت ! ) : بكسر التاء وفتحها ( إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ) ، أي : بالمدينة كثيرا ( وعلي ) ، أي : وصليت خلف علي ( هاهنا بالكوفة ) : قال الطيبي : هما ظرفان ، متعلقان بقوله : " وعلي " على أن العطف محمول على التعديد دون الانسحاب ; لأن عليا رضي الله عنه كان وحده بالكوفة . ( نحوا ) ، أي : قدرا ( من خمس سنين ) ، أي : مدة مجموع أيام ملازمة الجميع ، وقال ابن حجر : هي في الحقيقة أربع سنين وأشهر اهـ . والظاهر أنه أراد مدة خلافة علي رضي الله عنه ( أكانوا يقنتون ؟ ) ، أي : في الصبح ، قال الطيبي : أكانوا بإثبات الهمزة في الترمذي وجامع الأصول ، وبإسقاطها في نسخ المصابيح ، وفي رواية ابن ماجه : وكانوا يقنتون في الفجر اهـ . فالسؤال مقدر ، وفي ضمن الجملة مضمر .

قال ، أي : أبي ( أي بني ! ) : بفتح الياء وكسرها ( محدث ) : بفتح الدال ، أي : القنوت بدعة أحدثه بعض التابعين ، قيل : لا يلزم نفي القنوت من نفي هذا الصحابي ; لأنه يحتمل أنه كان في آخر الصف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلم يسمع القنوت يعني : ولم يعلم به ، وهو في غاية من البعد ، وقيل : يريد نفي القنوت في غير الصبح والوتر ، وهو أبعد أو سمع كلمات لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة ، فأنكرها ، وفيه أنه لا يلائمه إطلاق جوابه ، قال الطيبي : لا يلزم من نفي هذا الصحابي ، فأنكرها . وفيه أنه لا يلائمه إطلاق جوابه ، قال الطيبي : لا يلزم من نفي هذا الصحابي نفي القنوت ولأنه شهادة بالنفي ، وقد شهد جماعة بالإثبات مثل : الحسن ، وأبي هريرة ، وأنس ، وابن عباس رضي الله عنهم اهـ . وقد تقدم بعض الأجوبة ، وسيأتيك بقيتها ، ومن أغرب ما قيل في التأويل أن ترك القنوت محدث وسيأتي التصريح برده . ( رواه الترمذي ) : وقال : حسن صحيح نقله ميرك .

قال ابن حجر : وما روي عن ابن مسعود أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يقنت في شيء من صلاته ضعيف ، وكذا ما روي عن ابن عباس أنه بدعة ، وكذا ما روي عن أم سلمة أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن القنوت في الصبح ، وقول ابن عمر : ما أحفظه من أحد من أصحابنا . معارض بمن حفظه ، قلت : أقل ما يقال أنه إذا تعارضا تساقطا ، والأصل والقياس عدم القنوت . ( والنسائي ، وابن ماجه ) .

قال ابن الهمام : وكيف يكون القنوت سنة راتبة جهرية ، وقد صح حديث أبي مالك سعد بن طارق الأشجعي ، عن أبيه : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يقنت ، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ، وصليت خلف عثمان فلم يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ، ثم قال : يا بني ! إنها بدعة . رواه النسائي . روى الترمذي ، وابن ماجه . باللفظ الذي تقدم ، قال : وهو أيضا ينفي قول الحازمي في أن القنوت عن الخلفاء الأربعة ، وقوله : إن عليه الجمهور معارض بقول حافظ آخر إن الجمهور على عدمه . قلت : بل الجمهور هم الخلفاء وأتباعهم ، فمن يصلح بعدهم أن يسمى جمهورا ؟ قال : وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان أنهم كانوا لا يقنتون في الفجر ، وأخرج عن علي أنه لما قنت في الصبح أنكر الناس عليه ، فقال : استنصرنا على عدونا ، وفيه زيادة أنه كان منكرا عند الناس ، وليس الناس إذ ذاك إلا الصحابة والتابعين ، وأخرج عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن الزبير أنهم كانوا لا يقنتون في صلاة الفجر ، وأخرج عن ابن عمر أنه قال في قنوت الفجر : ما شهدت وما علمت ، وما أسند الحازمي عن سعيد بن المسيب أنه ذكر قول ابن عمر في القنوت فقال : أما أنه قنت مع أبيه ، ولكنه نسي ، ثم أسند عن ابن عمر أنه كان يقول : كبرنا ونسينا ، وأتوا سعيد بن المسيب فسلوه مدفوع بأن عمر لم يكن يقنت لما صح عنه مما قدمناه .

وقال محمد بن الحسن : أنبأنا أبو حنيفة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد أنه صحب عمر بن الخطاب سنتين في السفر والحضر ، فلم يره قانتا في الفجر ، وهذا سند لا غبار عليه ، [ ص: 963 ] ونسبة ابن عمر إلى النسيان في مثل هذا في غاية البعد ، وإنما يقرب ادعاؤه في الأمور التي تسمع وتحفظ ، والأفعال التي تفعل أحيانا في العمر ، أما فعل يقصد الإنسان إلى فعله كل غدوة مع خلق كلهم يفعله من صبح إلى صبح ينساه بالكلية ، ويقول : ما شهدت ولا علمت ويتركه مع أنه يصبح فيرى غيره يفعله فلا يتذكر ، فلا يكون مع شيء من العقل ، وبما قدمناه إلى هنا يقطع بأن القنوت لم يكن سنة راتبة ; إذ لو كان راتبة لفعله - عليه الصلاة والسلام - كل صبح يجهر به ويؤمن من خلفه ، كما قال الشافعي ، أو يسر به كما قال مالك إلى أن توفاه الله تعالى لم يتحقق بهذا الاختلاف ، بل كان سبيله أن ينقل كنقل جهر القراءة ومخافتتها ، وأعداد الركعات ، فإن مواظبته على وقوفه بعد فراغ جهر القراءة زمانا ساكتا فيما يظهر كقول مالك ، كما يدركه من خلفه ، وتتوفر دواعيهم على سؤال أن ذلك لماذا ، وأقرب الأمور في توجيه نسبة سعيد النسيان لابن عمر إن صح عنه أن يراد قنوت النازلة ، فإن ابن عمر نفى القنوت مطلقا فقال سعيد : قنت مع أبيه يعني في النازلة ، ولكنه نسي فإن هذا شيء لا يواظب عليه لعدم لزوم سببه ، وقد روي عن الصديق ، أنه قنت عند محاربة الصحابة مسيلمة ، وعند محاربة أهل الكتاب ، وكذلك قنت عمر ، وكذلك علي في محاربة معاوية ، ومعاوية في محاربة علي رضي الله عنهم أجمعين .




الخدمات العلمية