الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1319 - وعن عائشة رضي الله عنها ، أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ، ثم تقول : لو نشر لي أبواي ما تركتها . رواه مالك .

التالي السابق


1319 - ( وعن عائشة ، أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ) : لعله تأسيا بما صدر من فعله - عليه الصلاة والسلام - عام الفتح ، ( ثم تقول ) ، أي : حثا على المحافظة والمداومة ، ( لو نشر ) ، أي : أحيي ( لي أبواي ما تركتها ) ، أي : ما تركت هذه اللذة بتلك اللذة ، وهو من باب التعليق بالمحال مبالغة ، قاله الطيبي ، وقال ابن حجر : معناه لو خصصت بإحياء أبوي الذي لا ألذ منه من لذات الدنيا ، وقيل لي : اتركي لذة فعلها في مقابلة تلك اللذة ما تركت ذلك ، إيثارا للذة الأخروية ، وإن دعا الطبع الجبلي إلى تقدم تلك اللذة الدنيوية ، أو المعنى ما تركت هذه الصلاة اشتغالا بالترحيب بهما ، والقيام بخدمتهما ، فهو كناية عن نهاية المواظبة ، وغاية المحافظة بحيث لا يمنعها قاطع عنها . ( رواه مالك ) .

[ ص: 983 ] وقد جاءت عن عائشة في ذلك أشياء مختلفة ففي الترمذي ، عن عبد الله بن شقيق ، قال قلت لعائشة : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه بفتح فكسر ثم هاء ضمير ، وقول شارح أنها تاء تأنيث مردود بأن الذي في الأصول المصححة هو الأول ، قاله ابن حجر ، أي : من سفره ، ففي هذه الرواية تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه ، وتقدم رواية معاذة عنها الإثبات مطلقا .

وفي الصحيحين من طريق عروة عنها بلفظ : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى ، وإني لأسبحها ، ففي هذه الرواية نفي رؤيتها مطلقا ، وقد اختلف العلماء في ذلك ، فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عليه الشيخان دون ما انفرد به مسلم ، ورواية معاذة وعبد الله بن شقيق عنها من أفراد مسلم عن البخاري ، وقالوا : إن عدم رؤيتها ذلك لا يستلزم عدم الوقوع ، فيقدم من روي عنه من الصحابة الإثبات ، وذهب الآخرون إلى الجمع بينهما ، قال البيهقي : عندي أن المراد بقولها : ما رأيته سبحها ، أي داوم عليها ، وقولها : وإني لأسبحها ، أي : على الدوام ، وكذا قولها : وما أحدث الناس شيئا يعني المداومة عليها ، قال : وفي بقية الحديث إشارة إلى ذلك حيث قالت : وإن كان ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم اهـ .

وحكى المحب الطبري أنه جمع بعضهم بين قولها : ما كان يصلي إلا أن يجيء من مغيبه ، وقولها : كان يصلي أربعا إلخ . أن الأول محمول على صلاته إياها في المسجد ، والثاني على البيت قال : ويعكر عليه حديثها المتفق عليه ، وهو قولها : ما رأيته سبح سبحة الضحى ، ويجاب عنه بأن المنفي صفة مخصوصة ، وقال عياض وغيره : قوله ما صلاها معناه ما رأيته يصليها ، والجمع بينه وبين قولها : كان يصليها أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها ، وفي الإثبات عن غيرها ، وقيل في الجمع أيضا يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة من هيئة مخصوصة ، وعدد مخصوص ، ووقت مخصوص : وأنه - عليه الصلاة والسلام - إنما كان يصليها إذ قدم من سفر لا بعدد مخصوص ولا بغيره ، كما قالت : أربعا ويزيد ما شاء الله ، نقله ميرك ، عن الشيخ ، وقد عد السيوطي بضعا وعشرين صحابيا ممن يصلي صلاة الضحى .




الخدمات العلمية