الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1358 - وعن أبي بردة بن أبي موسى ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في شأن ساعة الجمعة : " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة " . رواه مسلم .

التالي السابق


1358 - ( وعن أبي بردة بن أبي موسى ، قال : سمعت أبي يقول ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في شأن ساعة الجمعة ) ، أي في بيان وقتها . ( هي ما بين أن يجلس الإمام ) ، أي : بين الخطبتين ، ويحتمل أن يريد بالجلوس عقب صعود الإمام المنبر . ( إلى أن تقضى ) : بالتأنيث ويذكر ( الصلاة ) ، أي يفرغ منها ، قال الطيبي : الظاهر أن يقال بين أن يجلس وبين أن يقضي ، إلا أنه أتى بإلى ليبين أن جميع الزمان المبتدأ من الجلوس إلى انقضاء الصلاة تلك السويعة ، وإلى هذه نظيره " من " في قوله : ( ومن بيننا وبينك حجاب ) ، فدلت على استيعاب الحجاب للمسافة المتوسطة ولولاها لم يفهم . ( رواه مسلم ) : وكذا أبو داود ، ذكره في الحصن ، ثم قال : ومن حين تقام الصلاة إلى السلام منها . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، عن عمرو بن عوف المزني .

وروى الشيخان ، والنسائي ، وابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه " . وأشار بيده يقللها ، وقيل : بعد طلوع الفجر ، وقيل : قبل طلوع الشمس ، وقيل بعد طلوع الشمس ، وذهب أبو ذر الغفاري إلى أنها بعد زيغ الشمس بيسير إلى ذراع . رواه ابن المنذر ، وابن عبد البر بإسناد قوي عنه ، قاله ميرك .

وحكى الغزالي في الإحياء أنها عند طلوع الشمس ، وقيل : من اصفرار الشمس إلى أن تغيب ، وهذا مختار [ ص: 1013 ] فاطمة ، والمقصود من ذكر الاختلافات مراعاة خصوص هذه الأوقات ، قال الجزري : والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين جمعا بين الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال النووي : والصحيح ، بل الصواب ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى ، أي المتقدم ذكره ، ويؤيده ما نقله البيهقي عن مسلم : أن هذا أجود حديث وأصحه في ساعة الإجابة ، قال ميرك : وليس المراد من هذه الأقوال أنه يستوعبه جميع الوقت الذي عين ، بل المعنى أنها تكون في أثنائه لما في البخاري في آخر الحديث ، وأشار بيده يقللها ، وفي مسلم هي ساعة خفيفة اهـ .

ولا يخفى أن مختار النووي والجزري لا يفيد تعيين الساعة لاختلاف أوقات الخطبة ، وأزمنة الصلاة في مساجد المسلمين ، وأن ما قالاه من أحوال الإجابة لا من أوقاتها ، إلا أن يقال بأن الساعة تدور مع تلك الحالة ، أو يكون وقت خطبته - عليه الصلاة والسلام - مضبوطا كما يشير إليه قول أبي ذر ، لكن سيأتي أنه كان يعجل في البرد ، ويؤخر في الحر والله أعلم .

ثم رأيت بعض المتأخرين من الشافعية اعترض على تصويب النووي ، وقال : أما خبر أنها من العصر إلى الغروب فضعيف ، وخبر أنها من حين تقام الصلاة إلى الانصراف ضعيف أيضا ، وإن حسنه الترمذي ، وأما ما صح في حديث : من التماسها آخر ساعة بعد العصر ، فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوما في وقت ويوما في آخر ، كما هو المختار في ليلة القدر اهـ .

ويؤيده ما قاله الغزالي في الإحياء أنها تدور على الأوقات المذكورة في الأحاديث ، وبه تجتمع ، فيوما تكون بين أن يجلس الإمام إلى أن ينصرف ، ويوما من حين تقام الصلاة إلى السلام ، ويوما من العصر إلى الغروب ، ويوما في آخر ساعة من اليوم . ورجح المحب الطبري القول بالانتقال ، ولصحة الخبر بكونها آخر ساعة بعد العصر حكى إجماع الصحابة عليه ، وذهب إليه جماعة ممن بعدهم ، ونقل عن نص الشافعي . وفيها أقوال أخر تبلغ الخمسين كما في ليلة القدر ، لكن قال العسقلاني : ما عدا القول بأنها ما بين جلوس الإمام وسلامه ، والقول بأنها آخر ساعة من يومها إما ضعيف الإسناد ، أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف ، وطريق تحصيلها بيقين أن ينقسم جماعة يوم الجمعة ، فيأخذ كل منهم حصة منه يدعو فيها لنفسه ولأصحابه ، أو بأن يلزم قلبه استحضار الدعاء من فجرها إلى غروب شمسها ، وقد سئل البلقيني : كيف يدعو حال الخطبة وهو مأمور بالإنصات ؟ فأجاب : ليس من شرط الدعاء التلفظ ، بل استحضاره لقلبه كاف ، قال الشافعي : وبلغني أن الدعاء يستجاب ليلة الجمعة أيضا والله أعلم .




الخدمات العلمية