الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1484 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : خسفت الشمس ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد ، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود ، ما رأيته قط يفعله ، وقال : هذه الآيات التي يرسل الله ، لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، ولكن يخوف الله بها عباده ، فإذا رأيتم شيئا من ذلك ، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره . متفق عليه .

التالي السابق


1484 - ( وعن أبي موسى قال : خسفت الشمس بالبناء للفاعل . ( فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعا ) أي : خائفا ، كان فزعه عند ظهور الآيات شفقا على أهل الأرض أن يأتيهم عذاب الله ، أو تعليما للأمة ليفزعوا عند ظهور الآيات ، أو لكونه أعلمهم بالله وأخوفهم منه ، وقد قال تعالى : وما نرسل بالآيات إلا تخويفا . ( يخشى ) : بالبناء للفاعل ، وقيل : للمفعول . وفي نسخة : نخشى بالنون أي : نخاف . ( أن تكون الساعة ) : بالنصب ، ويرفع نيابة . قال الطيبي : قالوا : هذا تخييل من الراوي ، وتمثيل كأنه قال : فزع فزعا كفزع من يخشى أن تكون الساعة ، وإلا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عالما بأن الساعة لا تقوم ، وهو بين أظهرهم ، وقد وعده الله تعالى النصر ، وإعلاء دينه ، وإنما كان [ ص: 1096 ] فزعه عند ظهور الآيات : كالخسوف ، والزلازل ، والريح ، والصواعق ; شفقا على أهل الأرض أن يأتيهم عذاب الله ، كما أتى من قبلهم من الأمم عن قيام الساعة .

قال المظهر : أخطأ الراوي حيث قال هذا ; لأن أبا موسى لم يكن عالما بما في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الظن غير صواب ، فإن قيل : محتمل أن تكون هذه الواقعة قبل الإخبار بالنصر والظفر ، وحينئذ يتوقع الساعة كل لحظة . قلنا : ليس كذلك ; لأن إيمان أبي موسى كان بعد فتح خيبر ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر عن هذه الأشياء قبل فتح خيبر ، قيل : يجوز ذهول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأخبار بواسطة ما كوشف له من الأهوال ، ويجوز أن ينسب الذهول إلى الراوي بواسطة ما رأى من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة يوم مات إبراهيم ، فظن بعض الناس أن انكساف الشمس لموت إبراهيم ، فلذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : آيتان من آيات الله . إلخ اهـ .

قال ميرك : هذه الاحتمالات على تقدير أن تكون الرواية في يخشى بصيغة المعروف الغائب ، ويجوز أن يقرأ يخشى بصيغة المجهول ، أو بصيغة المتكلم المعروف ، فإن ساعدت الرواية فلا إشكال ، والله أعلم بحقيقة الحال . ( فأتى المسجد ) أي : مسجد المدينة . قال ابن حجر : فيه رد للقول بأنها تصلى فرادى في البيوت اهـ . وهو مردود بما تقدم : أنهم أجمعوا على أن صلاة الكسوف تصلى بجماعة في الجامع . ( فصلى بأطول قيام ، وركوع وسجود ) : ظاهره عدم تعددهما في كل ركعة . ( ما رأيته قط يفعله ) أي : ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثله . ( وقال ) أي : بعد فراغه من صلاة الكسوف . ( هذه الآيات ) أي : كالكسوفين ، والزلازل ، والصواعق . ( التي يرسل الله ) أي : يظهرها لأهل الأرض ، فكأنه يرسلها إليهم . ( لا تكون لموت أحد ولا لحياته ) أي : لولادة أحد . ( ولكن يخوف الله بها ) أي : بالآيات . ( عباده ) : وفيه إشارة إلى رد ما يقوله أهل الهيئة من السبب المشهور عندهم ، وقد رد عليهم ابن العربي المالكي ، والسيف الآمدي ، وقال ابن دقيق العيد : وهذا لا ينافي ذكر الحساب أسبابا عادية للكسوفين ; لأن لله تعالى أفعالا تجري على العادات ، وأفعالا خارجة عنها ، وعند هذه يزداد خوف أهل المراقبة لقوة اعتقادهم في قدرة الله تعالى وفعله لما شاء ، ومن ثم كان - عليه الصلاة والسلام - عند اشتداد هبوب الرياح يتغير لونه ، ويدخل ويخرج خشية أن يكون كريح عاد ، وإن كان هبوبها موجودا . ( فإذا رأيتم شيئا من ذلك ) أي : مما ذكر من الآيات . ( فافزعوا ) أي : التجئوا من عذابه . ( إلى ذكره ) : ومنه الصلاة . ( ودعائه واستغفاره . متفق عليه ) : ورواه النسائي ، ذكره ميرك .




الخدمات العلمية