الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .

التالي السابق


10 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ) : مر ذكره [ ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي ) ] أي : والله الذي [ ( نفس محمد ) ] أي روحه ، وذاته ، وصفاته ، وحالاته ، وإرادته ، وحركاته ، وسكناته [ ( بيده ) ] أي كائنة بنعمته ، وحاصلة بقدرته ، وثابتة بإرادته ، ووجه استعارة اليد للقدرة أن أكثر ما يظهر سلطانها في أيدينا ، وهي من المتشابهات ، ومذهب السلف فيها تفويض علمه إلى الله تعالى مع التنزيه عن ظاهره ، وهو أسلم حذرا من أن يعين له غير مراد له تعالى ، ويؤيده وقف الجمهور على الجلالة في قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) وعدوه وقفا لازما ، وهو ما في وصله إيهام معنى فاسد ، ومن ثم قال أبو حنيفة - رحمه الله - : تأويل اليد بالقدرة يؤدي إلى تعطيل ما أثبته تعالى لنفسه ، وبها الذي ينبغي الإيمان بما ذكره الله تعالى من ذلك ونحوه على ما أراده ، ولا يشتغل بتأويله فنقول : له يد على ما أراده لا كيد المخلوقين ، ومذهب الخلف فيها تأويله بما يليق بجلال الله تعالى وتنزيهه عن الجسم والجهة [ ص: 77 ] ولوازمها بناء على أن الوقف على " الراسخون " في العلم . وكان ابن عباس يقول : " أنا أعلم تأويله ، وأنا من الراسخين في العلم . قيل : وهذا أعلم وأحكم أي : يحتاج إلى مزيد علم وحكمة حتى يطابق التأويل سياق ذلك النص ، وليس المعنى أن مذهب الخلف أكثر علما ، فالمذهبان متفقان على التنزيه ، وإنما الخلاف في أن الأولى ماذا ، أهو التفويض أم التأويل ؟ ويمكن حمل الخلاف على اختلاف الزمان ، فكان التفويض في زمان السلف أولى ؛ لسلامة صدورهم وعدم ظهور البدع في زمانهم ، والتأويل في زمان الخلف أولى ؛ لكثرة العوام وأخذهم بما يتبادر إلى الأفهام ، وغلو المبتدعة بين الأنام ، والله أعلم بالمرام . ثم هو قسم ، جوابه [ ( لا يسمع بي ) ] : وكان الأصل أن يقول : والذي نفسي ، لكنه جرد من نفسه النفيسة من اسمه محمد وهو هو ؛ ليكون أبلغ وأوقع في النفس ، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم تنزيلا من مقام الجمع إلى التفرقة ، ومن الكون مع الحق إلى الاشتغال بدعوة الخلق ، والانتقال من خزانة الكمال إلى منصة التكميل . قال العارف السهروردي : الجمع اتصال لا يشاهد صاحبه إلا الحق ، فمتى شاهد غيره فما ثم جمع ، فقوله : " آمنا بالله " جمع ، و " ما أنزل إلينا " تفرقة . وقال الجنيدي قدس الله سره ، - ويسمى سيد الطائفة ؛ لأنه لم ينطق قط بما لا يطابق الكتاب والسنة - : القرب بالوجد جمع ، وغيبته في البشرية تفرقة ، وكل جمع بلا تفرقة زندقة ، وكل تفرقة بلا جمع تعطيل . ثم قيل : الباء زائدة ، أو بمعنى " من " ، والأظهر أنها لتأكيد التعدية كما في قوله تعالى : ( ما سمعنا بهذا ) أو ضمن معنى الإخبار أي : ما يسمع مخبرا ببعثي ، وحاصل المعنى لا يعلم رسالتي [ ( أحد ) ] أي : ممن هو موجود أو سيوجد " [ ( من هذه الأمة ) ] أي : أمة الدعوة ، و " من " تبعيضية ، وقيل : بيانية [ ( يهودي ولا نصراني ) ] : صفتان لـ " أحد " - وحكم المعطلة وعبدة الأوثان يعلم بالطريق الأولى - أو بدلان عنه ، بدل البعض من الكل ، وخصا لأن كفرهما أقبح ، وعلى كل لا زائدة لتأكيد الحكم [ ( ثم يموت ) ] : فيه إشارة إلى أنه ولو تراخى إيمانه ووقع قبل الغرغرة نفعه [ ( ولم يؤمن بالذي أرسلت به ) ] أي : من الدين المرضي ، والجملة حال أو عطف [ ( إلا كان ) ] أي : في علم الله ، أو بمعنى يكون ، وتعبيره بالمضي لتحقق وقوعه ، وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال [ ( من أصحاب النار ) ] أي ملازميها بالخلود فيها ، وأما الذي سمع وآمن فحكمه على العكس ، وأما الذي لم يسمع ولم يؤمن فهو خارج عن هذا الوعيد ، ثم اعلم أن " لا " في : " لا يسمع " بمعنى " ليس " ، و " ثم يموت " عطف على " يسمع " المثبت ، " ولم يؤمن " عطف على يموت ، أو حال من فاعله وليس لنفي هذا المجموع ، وتقديره : ليس أحد يسمع به ثم يموت ولم يؤمن ، أو غير مؤمن كائنا من أصحاب شيء إلا من أصحاب النار . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية