الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
146 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فخطب فحمد الله ، ثم قال : " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ ! فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " . متفق عليه .

التالي السابق


146 - ( وعن عائشة ) : رضي الله عنها ( قالت : صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ) ، أي : من المباحات . قال الراغب : الصنع إجادة الفعل فكل صنع فعل ولا ينعكس ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل ( فرخص ) ، أي : للناس فيه ، أي : في ذلك الصنع أو من أجله ( فتنزه عنه ) ، أي : عن ذلك الصنع ( قوم ) ولم يفعلوا ذلك الصنع ظنا منهم أن فعله ينافي في الكمال ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما فعله لبيان الجواز . قال الشيخ : لم أعرف أعيان القوم المشار إليهم : ولا الشيء الذي ترخص فيه ، وأومأ ابن بطال إلى أنه القبلة للصائم ، وقيل : الفطر في السفر كذا ذكره الأبهري ، والأظهر أن القوم هم المذكورون فيما تقدم والشيء المرخص ما ذكر فيما سبق ( فبلغ ذلك ) ، أي : تنزههم ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب ) ، أي : أراد أن يخطب كذا قاله الطيبي ، ويمكن أن يكون قوله ( فحمد الله ) : إلخ تفسيرا لما قبله ( ثم قال ) ، أي : في أثناء خطبته ، أو بعد فراغها معرضا لا مصرحا سترا على الفاعل ورحمة به ( ما بال أقوام ) : استفهام إنكاري . بمعنى التوبيخ ، أي : ما حالهم ( يتنزهون ) : صفة أقوام وقع موقع الحال نحو : ما لك قائما وكقوله تعالى : ما لكم لا ترجون لله وقارا ، أي : يتباعدون ويحترزون ( عن الشيء ) : من النوم بالليل والأكل بالنهار والتزوج بالنساء ، كذا قال ابن الملك ( أصنعه ؟ ! ) : حال من الشيء ، وأل فيه للعهد الذكري السابق في قوله شيئا وقيل : اللام في الشيء للجنس وأصنعه صفته ( فوالله إني لأعلمهم بالله ) : قال المظهر ، أي : فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله فأنا أعلم بقدر عذاب الله فأنا أولى بالاحتراز ( وأشدهم له خشية ) : إشارة إلى القوة العملية ، وقدم العلم على الخشية لأنها نتيجته ، ولذا قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال الطيبي : هذا أبلغ من أخشاهم على الأصل فإنه ( عدل عنه وجعل أشد ، ثم فسر بخشية ليدل على أن الأشد نفسه خشية ) ( متفق عليه ) .

[ ص: 230 ]



الخدمات العلمية