الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1750 - وعن عمران بن حصين ، وأبي برزة ، قالا : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى قوما قد طرحوا أرديتهم يمشون في قمص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبفعل الجاهلية تأخذون ، أو بصنيع الجاهلية تشبهون ، لقد هممت أن أدعو عليكم دعوة ترجعون في غير صوركم ، قال : فأخذوا أرديتهم ، ولم يعودا لذلك . رواه ابن ماجه .

التالي السابق


1750 - ( وعن عمران بن حصين ، وأبي برزة قالا : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فرأى قوما ) أي : من أهل الميت . ( قد طرحوا أرديتهم ) أي : وضعوها من أكتافهم . ( يمشون ) حال من فاعل طرحوا ، أو صفة بعد صفة لقوما ( في قمص ) بضمتين جمع قميص ، يؤخذ منه أن الشعار المعروف في ذلك الزمن هو الرداء فوق القميص . قال الطيبي : حال متداخلة لأن يمشون حال من الواو في طرحوا ، أو هو من الواو في يمشون . وقال السيد : ويحتمل أن تكون أحوالا مترادفة من مفعول رأى ، فإن قوله : قد طرحوا حال منه ، ويمشون حال أخرى اهـ . وهو غير صحيح ; لأن قوما نكرة ، وشرط ذي الحال أن يكون معرفة ، أو نكرة موصوفة فلا يبقى مسوغ هنا حينئذ . ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبفعل الجاهلية ) أي : من تغيير الزي المألوف عند الموت ( تأخذون ) الهمزة للإنكار ، ومحله الفعل ، وقدم الجار لبيان محط الإنكار . ( أو بصنيع الجاهلية ) أو للتنويع أو للشك . ( تشبهون ) أي : تتشبهون فحذف إحدى التاءين ( لقد هممت ) وفي نسخة : قال : لقد هممت أي : قصدت . ( أن أدعو عليكم ) أي : بالمضرة . ( دعوة ) مفعول مطلق . ( ترجعون ) على بنائه للفاعل وقيل : للمفعول أي : تصيرون أو تردون بتلك الدعوة ( في غير صوركم ) أي : بالمسخ . قال الطيبي : هو محمول على تضمين الرجوع معنى صار كما في قوله تعالى : أو لتعودن في ملتنا اهـ . وفيه أن الصيرورة هي بمعنى الرجوع ، ومنه قوله تعالى : وإليه المصير فلا تضمين ، والظاهر أن يقال : ضمن الرجوع معنى العود فعدي بفي ، ثم ضمن العود معنى التصيير كما في الآية ، فإن العود حقيقة لا يصح في هذا المقام ، فتأمل في الكلام ، فإنه مزلة الأقدام ، ومعثرة الأقدام . قال : أو تحمل الصورة على الصفة والحالة أي : ترجعون إلى غير الفطرة ، كما كنتم عليه اهـ .

ولا يظهر وجه التقابل بين القولين إلا بأن يقال : مراده أن في بمعنى إلى ، لكن لا دخل للصورة على أنه بمعنى الصفة أولا بهذا القول ، بل هو قول مقابل فيما يقال : إن المسخ هل هو صوري أو معنوي ؟ قال ميرك : ويحتمل أن يكون المراد ترجعون إلى بيوتكم في غير [ ص: 1250 ] صوركم ، وفي غير صوركم حال ، فلا حاجة إلى الوجهين اهـ . وهو وجه حسن ، وتقدير مستحسن . ( قال ) أي : الراوي وفيه إيهام ، فإن الراوي اثنان ، فيحتمل أن يكون المراد قال كل منهما ، ويحتمل قال الراوي الشامل لهما أو لأحدهما . ( فأخذوا أرديتهم ولم يعودوا ) أي : لم يرجعوا بعد ذلك . ( لذلك ) أي : إلى ذلك الفعل ، أو لم يرجعوا في ذلك الفعل لأجل ذلك القول الصادر منه صلى الله عليه وسلم وهو أظهر ، والله أعلم . قال الطيبي : فإذا ورد في مثل أدنى تغيير من موضع الرداء عن المنكب هذا الوعيد البليغ ، فكيف ما يشاهد من الأمور الشنيعة ؟ ! قال ابن حجر : والحديث نص فيما يفعله المترسمون برسوم الفقهاء من أهل مكة ، فإنه إذا مات لهم ميت تركوا المناديل التي على أكتافهم المنزلة في الأصل منزلة الأردية المألوفة في الزمن الأول ، فكما أن أولئك استحقوا ذلك الوعيد الشديد ، فهؤلاء يستحقونه على ترك مناديلهم المنزلة الأردية اهـ . وقد يقال : لبس الرداء سنة بخلاف المنديل على الكتف ، فإنه إما مباح أو بدعة . قال بعض علمائنا : إنه مكروه ، فوضعه لا يكون مكروها فضلا عن أن يكون عليه وعيد شديد ، مع أن لأهل مكة محملا آخر يمكن حمله على الصواب : وهو جعلهم هذا علامة تبين المصاب ، وأيضا عند اجتماع الناس على تعزيتهم إياه ، لا يمكن بقاء المنديل على كتفه البتة ، فإنه ينطرح بنفسه عند الزحام ، وقد وقع لي بالخصوص في تعزية ولدي وثمرة كبدي بالمسجد الحرام ، فأخذته من كتفي ، وناولته لبعض الخدام ، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن . ( رواه ابن ماجه ) .




الخدمات العلمية