الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
14 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أتى أعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال : " تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا ولا أنقص ، فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا " . متفق عليه .

التالي السابق


14 - ( وعن أبي هريرة ) مر ذكره ( قال : أتى أعرابي ) أي بدوي ، منسوب إلى الأعراب وهم سكان البادية كما أن العرب هم سكان البلد ( النبي ) أي جاءه ، وفي نسخة : إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فقال : دلني ) بضم الدال وفتح اللام المشددة أي أرشدني بالدلالة ( على عمل ) : صفته أنه ( إذا [ ص: 83 ] عملته دخلت الجنة ، أي دخولا أوليا غير مسبوق بنوع من العذاب ( قال : تعبد الله ) خبر بمعنى الأمر ، أو في تأويل المصدر بتقدير " أن " ، ولما حذفت رفع الفعل ، وقيل مع بقاء أثره من النصب ، أو تنزيلا منزلة المصدر بذكر الفعل وإرادة الحدث كما في : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، وكقوله تعالى : ( ومن آياته يريكم البرق ) ، وهو في الحديث مرفوع المحل بالخبرية لمبتدأ محذوف ، أي هو ، يعني العمل الذي إذا عملته دخلت الجنة هو عبادة الله . . إلخ . ثم قيل : المراد بالعبادة التوحيد للعطف ، والأصل المغايرة ، وهو شامل للنبوة لأنه لا يعتبر بدونها ، فذكره مغن عن ذكرها ، وقيل : السائل كان مؤمنا ، فذكره لشرفه وكونه أصلا ، وقيل : إنه من باب عطف العام على الخاص ( ولا تشرك بالله شيئا ) أي من الأشياء ، أو من الشرك جليا أو خفيا ، والجملة حالية أي غير مشرك ، وهو يؤيد أن المراد بالعبادة التوحيد ، وهذه الجملة تفيد التأكيد ، وعلى الثاني قيل : إنما ذكره ردا على الكفار حيث قالوا : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وبيانا إلى أن العبادة لا تكمل إلا إذا سلمت من طرق الرياء . قال تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) قال العارفون : التعبد إما لنيل الثواب ، أو التخلص من العقاب ، وهي أنزل الدرجات ، وتسمى عبادة ؛ لأن معبوده في الحقيقة ذلك المطلوب ، بل نقل الفخر الرازي إجماع المتكلمين على عدم صحة عبادته . أو للتشرف بخدمته تعالى والانتساب إليه ، وتسمى عبودية ، وهي أرفع من الأولى ، ولكنها ليست خالصة له ، أو لوجهه تعالى وحده من غير ملاحظة شيء آخر ، وتسمى عبودة ، وهي أعلى المقامات وأرفع الحالات ( وتقيم الصلاة المكتوبة ) أي المفروضة على الأعيان بشرائطها ، وأركانها المعلومة ( وتؤدي ) أي تعطي ( الزكاة المفروضة ) : والتغاير بينهما للتفنن ، وهي هنا للتأكيد ؛ لئلا يتوهم المعنى اللغوي ، وهو مطلق الصدقة بخلاف الأولى فإنها احترازية ، والمعنى أداء مقدارها المعينة لمصارفها المقررة ، فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئا ، وقيل : قصد به التصديق والمبالغة والقبول أي قبلت قولك فيما سألتك عنه قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ، ولا نقص فيه من طريق القبول . وهذا قبل مشروعية النوافل ، ولا حاجة إلى هذا فإنها متممات ومكملات للفرائض ، لا زيادة عليها ، مع أنه قد يقال : مراده أنه لا يزيد على الأجناس المذكورة ، ولم يذكر هنا الحج ولا الصوم في رواية ، ولا الزكاة في أخرى ، ولا الإيمان في أخرى ، وذكر في بعضها صلة الرحم ، وفي بعضها أداء الخمس . وأجاب ابن الصلاح كالقاضي عياض بأن سبب ذلك تفاوت الرواة حفظا وإتقانا . ( فلما ولى ) أي أدبر الأعرابي وذهب ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من سره ) أي أوقعه في السرور وأعجبه ، والفاعل هو ( أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر ) جواب الشرط ، أو خبر متضمنه ( إلى هذا ) أي هذا الرجل ؛ لعزمه على فعل المأمورات وترك المحظورات ، فعلى من أراد اللحوق به في ذلك أن يصمم على ما صمم عليه ؛ ليكون من الناجين ، وليحشر مع السابقين ، فيحتمل أن تكون الإشارة إلى الفرد الجنسي ، وهو ظاهر ، أو إلى الفرد الشخصي وهو الأظهر ، ويكون العلم إما بالوحي أو بغلبة الظن . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية