الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2009 - وعن عامر بن ربيعة قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي يتسوك وهو صائم . رواه الترمذي وأبو داود .

التالي السابق


2009 - ( وعن عامر بن ربيعة قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا أحصي ) أي مقدارا لا أقدر على إحصائه وعده لكثرته وقوله ( يتسوك ) مفعول ثان لأنه خبر على الحقيقة ، وما موصولة ، ولا أحصي صفتها وهي ظرف لـ ( يتسوك ) أي يتسوك مرات لا أقدر على عدها ، قاله الطيبي ، قال ميرك : ولعله حمل الرؤية على معنى العلم فجعل ( يتسوك ) مفعولا ثانيا ، ويحتمل أن تكون بمعنى الإبصار ، ويتسوك حينئذ حال وقوله ( وهو صائم ) حال أيضا إما مترادفة وإما متداخلة ، والله أعلم ، أقول : هذا الاحتمال أظهر من ذلك المقال ، والتداخل متعين في الحال ، قال المظهر : لا يضر السواك للصائم في جميع النهار ، بل هو سنة عند أكثر أهل العلم ، وبه قال مالك وأبو حنيفة لأنه مطهر ، وقال ابن عمر : يكره بعد الزوال لأن خلوف الصائم أثر العبادة ، والخلوف يظهر عند خلو المعدة من الطعام ، وخلو المعدة يكون عند الزوال غالبا ، وإزالة أثر العبادة مكروه ، وبه قال الشافعي وأحمد ، قال الشمني : لا يكره للصائم استعمال السواك سواء كان رطبا أو مبلولا قبل الزوال أو بعده ، وهو قول مالك ، وقال أبو يوسف : يكره بالرطب والمبلول ، وقال الشافعي : يكره بعد الزوال لأن فيه إزالة الخلوف المحمود بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " ، ولنا ما روى ابن ماجه والدارقطني من حديث عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من خير خصال الصائم السواك " والخلوف بضم الخاء المعجمة على الصحيح تغير رائحة الفم من خلو المعدة وذلك لا يزال بالسواك ، قال ابن الهمام : بل إنما يزيل أثره الظاهر عن السن من الاصفرار وهذا لأن سبب الخلوف خلو المعدة من الطعام ، والسواك لا يفيد شغلها بطعام ليرتفع السبب ، ولهذا روي عن معاذ مثل ما قلنا ، روى الطبراني عن عبد الرحمن بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل أتسوك وأنا صائم ؟ قال : نعم ، قلت : أي النهار أتسوك ؟ قال : أي النهار شئت ، غدوة وعشية ، قلت : إن الناس يكرهونه عشية ، ويقولون إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " ، فقال : سبحان الله [ ص: 1395 ] لقد أمرهم بالسواك وهو يعلم أنه لا بد بفي الصائم خلوف وإن استاك ، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا ، ما في ذلك من الخير شيء ، بل فيه شر إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدا . قال : وكذا الغبار في سبيل الله لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار " ، إنما يؤجر عليه من اضطر إليه ، ولم يجد عنه محيصا ، فأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له في ذلك من الأجر شيء ، قيل : ويدخل في هذا أيضا من تكلف الدوران تكثيرا للمشي إلى المساجد نظرا إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وكثرة الخطا إلى المساجد " ومن تصنع في طلوع الشيب لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " من شاب شيبة في الإسلام " إنما يؤجر عليهما من بلي بهما ، وفي المطلوب أيضا أحاديث مضعفة نذكر منها شيئا للاستشهاد والتقوية ، وإن لم يحتج عليه في الإثبات ، منها ما رواه البيهقي عن إبراهيم بن عبد الرحمن ثنا إسحاق الخوارزمي قال : سألت عاصما الأحول أيستاك الصائم بالسواك الرطب ؟ قال : نعم ، أتراه أشد رطوبة من الماء ؟ قلت : أول النهار وآخره ؟ قال : نعم ، عمن رحمك الله ، قال : عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم ، وروى ابن حبان عن ابن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستاك آخر النهار ، وهذا هو الصحيح عن ابن عمر من قوله ، قلنا : كفى ثبوته عن ابن عمر مع تعدد الضعيف فيه مع عمومات الأحاديث الواردة في فضل السواك ، وأما ما روى الطبراني عنه - صلى الله عليه وسلم - " إذا صمتم فاستاكوا بالغدوة ولا تستاكوا بالعشي ، فإن الصائم إذا يبست شفتاه كانت له نورا يوم القيامة " فحديث ضعيف لا يقاوم ما قدمنا اهـ وبه بطل قول ابن حجر : ليس فيه دليل لقول أبي حنيفة ، وقال : بعدم كراهة تسوكه قبل الزوال ، ووجه بطلانه أن المانع لا يحتاج إلى دليل لا سيما إذا ورد عن الشارع أحاديث مطلقة شاملة لما قبل الزوال وما بعده ، وخصوصا إذا ورد عن الصحابة فعلهم وإفتاؤهم على جوازه بعد الزوال ، وكيف يصلح بعد هذا كله أن يكون حديث الخلوف دليلا للشافعي ومن تبعه على منع السواك بعد الزوال وصرف الإطلاق إلى ما قبل الزوال من غير دليل صريح أو تعليل صحيح ، وهل هو إلا مبالغة في فضيلة الصوم ، كما يبالغ أحد ويقول : لعرق فلان الذي يحصل حال كده في آخر النهار عندي أحسن من ماء الورد ، فيكون فيه دلالة على كراهة إزالة العرق بالاغتسال ( رواه الترمذي وأبو داود ) وقال الترمذي : حسن اهـ وقد أخرجه أحمد وابن خزيمة .




الخدمات العلمية