الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
237 - وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قوما يتدارءون في القرآن ، فقال : " إنما هلك من كان قبلكم بهذا : ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض . فما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه " . رواه أحمد ، وابن ماجه .

التالي السابق


237 - ( وعن عمرو بن شعيب ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ( عن أبيه ، عن جده ) . يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى عمرو ، فيكون الحديث مرسلا لأن جد عمرو وهو محمد بن عبد الله بن عمرو تابعي ، وأن يكون راجعا إلى شعيب مع ما فيه من تفكيك الضميرين ، فالحديث متصل لأن جد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص صحابي ، ولهذه العلة تكلموا في صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لما فيها من احتمال التدليس ( وقال : سمع الله - صلى الله عليه وسلم - قوما ) أي : كلام قوم ( يتدارءون في القرآن ) أي : يختلفون فيه ويتدافعون بعضه ببعض ، والتدارؤ دفع كل من المتخاصمين قول صاحبه بما يقع من القول أي : يدفع بعضهم دليل بعض منه . قال المظهر : مثال ذلك أن أهل السنة يقولون : الخير والشر من الله تعالى لقوله تعالى : قل كل من عند الله ويقول القدري : ليس كذلك بدليل قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وهذا الاختلاف منهي ، أي على هذا الوجه ، وإنما الطريق في مثل تلك الآيات أن يؤخذ ما عليه إجماع المسلمين ، ويئول الآية الأخرى كما نقول : العقد الإجماع على أن الكل بتقدير الله تعالى ، وأما قوله تعالى : ما أصابك إلخ . فذهب المفسرون إلى أنه متصل بما قبله ، والمعنى فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا يعني : أن المنافقين لا يعلمون ما هو الصواب ، ويقولون ما أصابك إلخ . وقيل : الآية مستأنفة أي : ما أصابك يامحمد أو يا إنسان من حسنة ، أي : فتح وغنيمة وراحة وغيرها ، فمن فضل الله ، وما أصابك من سيئة ، أي : من هزيمة وتلف مال ومرض فهو جزاء ما عملت من الذنوب كما قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير فالآية السابقة خارجة عن مسألة القضاء والقدر ( فقال ) : عليه الصلاة والسلام ( إنما هلك من كان قبلكم ) أي : من اليهود والنصارى ( بهذا ) أي : بسبب التدارؤ ، إشارة تحقير أو تعظيم لعظم ضرره ، وقيل : المضاف محذوف ، أي : بمثل هذا الاختلاف المذموم ( ضربوا كتاب الله ) أي : جنسه ( بعضه ببعض ) : بدل بعض ، والجملة بيان لاسم الإشارة ، أي : خلط من كان قبلكم التوراة والإنجيل ، ومعناه : دفع أهل التوراة الإنجيل وأهل الإنجيل التوراة ، وكذلك أهل التوراة - ما لا يوافق مرادهم من التوراة ، وكذلك أهل الإنجيل ، وقيل : المراد بكتاب الله القرآن ، أي : خلطوا بعضه ببعض ، فلم يميزوا بين المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد ، فحكموا في كلها حكما واحدا من ضربت اللبن بعضه ببعض ، أي : خلطته ، والضرب الصرف أيضا ، فإن الراكب إذا أراد صرف الدابة ضربها ، أي : صرفوا كتاب الله عن المعنى المراد إلى ما مال إليه أهواؤهم ، وينبغي للناظر في كتاب الله تعالى أن يوفق بين الآيات فإنه يصدق بعضه بعضا ، ومن أشكل عليه شيء فليتوقف فيه ويستند إلى سوء فهمه ويكل علمه إلى عالمه عز وجل ، ولذا قال : ( وإنما نزل كتاب الله ) : المراد به الجنس ( يصدق بعضه بعضا ) : يعني أن الإنجيل مثلا يبين أن التوراة كلام الله وهو حق ، والقرآن يبين أن جميع الكتب المنزلة حق ، وكذلك الناسخ يبين أنه لا يعمل بالمنسوخ والمحكم يبين أنه لا يعمل بالمتشابه ، والمئول لدليل يبين أنه لا يعمل بالظاهر ، والخاص والمقيد يبينان أنه لا يعمل بالعام والمطلق ( فلا تكذبوا بعضه ببعض ) : بل قولوا : كل ما أنزله الله على رسوله حق ، أو بأن تنظروا إلى الله ظاهر لفظين منه مع عدم النظر إلى القواعد التي تصرف أحدهما عن العمل به [ ص: 313 ] بنسخه أو بتخصصه أو تقييده أو تأويله ، فإن ذلك يؤدي إلى قدح في الدين ( فما علمتم منه ) أي : علما موافقا للقواعد ( فقولوا ) أي : به ( وما جهلتم ) أي : منه كالمتشابهات وغيرها ( فكلوه ) أي : ردوه وفوضوه ( إلى عالمه ) : وهو الله تعالى ، أو من هو أعلم منكم من العلماء ولا تلقوا معناه من تلقاء أنفسكم ، وقد سئل ابن عباس عن آيات ظاهرة التنافي ؟ فأجاب عنها ، منها : نفي المساءلة يوم القيامة وإثباتها ، فنفيها فيما قبل النفخة الثانية ، وإثباتها فيما بعدها . قلت : ويحتمل أن يكون كلتاهما بعد النفخة الثانية بأن يكون النفي في أوائل المواقف والإثبات في أواخرها . ومنها : كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه فالأول بألسنتهم والثاني بأيديهم وجوارحهم . قلت : ولا بعد أن يكون الثاني بألسنتهم أيضا ، لكن لا باختيارهم كشهادة أيديهم ، ويدل عليه قوله : يوم تشهد عليهم ألسنتهم ومنها : خلق الأرض قبل السماء وعكسه ، وجواب هذا : أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ، ثم خلق السماوات فسواهن في يومين ، والأرض بعد ذلك دحاها وجعل فيها رواسي وغيرها في يومين . فتلك أربعة أيام للأرض ، وقد سأله يهودي فقال : تزعمون أن الله كان غفورا رحيما ، فكيف هو اليوم ؟ وأجاب عنه : بأن الماضي إنما هو التسمية لأن التعلق انقضى ، وأما الاتصاف فهو دائم . قلت : ويقرب منه ما قال المتكلمون : ما ثبت قدمه استحال عدمه . وأجاب أيضا : بأن كان يستعمل بها مراد الدوام كثيرا . وسئل أيضا عن اليوم المقدر بألف سنة والمقدر بخمسين ألف سنة ؟ فقال : لا أدري ، وأكره أن أقول ما لا أعلم ، وفي رواية عنه : أن الأول أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها العالم ، والثاني يوم القيامة . وقال غيره : كل منهما يوم القيامة باعتبار قصره على المؤمن العاصي وطوله على الكافر ، وأما الطائع فيكون عليه بقدر ركعتين كما ورد . ( رواه أحمد ، وابن ماجه ) .




الخدمات العلمية