الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
247 - وعنه ، فيما أعلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " . رواه أبو داود .

التالي السابق


247 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( فيما أعلم ) : بضم الميم على الصحيح ، فقيل : هو لفظ المصنف أي في علمي ، أو في جملة ما أعلم أن أبا هريرة روى هذا الحديث ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) : لا عن غيره وقد شك بعض الناس فيه . قال السيد : قال زين العرب تبعا للتوربشتي : فيما أعلم مضارعا أو ماضيا هو من قول المصنف ، أي : هذا الحديث كائنا في علمي هو عن أبي هريرة رواية ، أو كائنا في إعلام أبي هريرة سائر الصحابة ا هـ .

أقول : قوله : هو من قول المصنف - غير ظاهر لأنه بعيد عن الفهم ، وقد تفحصته من أصل أبي داود فوجدته مخرجا عن أبي علقمة ، عن أبي هريرة فيما أعلم ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث . فهذا نص في أنه ليس من قول المصنف .

وقال الطيبي : فيما أعلم يجوز بضم الميم حكاية عن قول أبي هريرة وبفتحها ماضيا من الإعلام حكاية عن فعله ا هـ . أقول : أما قوله : بضم الميم حكاية عن قول أبي هريرة فغير ظاهر ، بل الظاهر أنه من قول أبي علقمة الراوي ، عن أبي هريرة ، وأما قوله : حكاية عن فعله ففيه تأمل ومسامحة ، تأمل . انتهى كلام السيد . ( قال : إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة " ) أي : أمة الإجابة ، ويحتمل أمة الدعوة ( على رأس كل مائة سنة ) : أي : انتهائه أو ابتدائه إذا قل العلم والسنة وكثر الجهل والبدعة ( من يجدد ) : مفعول يبعث ( لها ) أي : لهذه الأمة ( دينها ) أي : يبين السنة من البدعة ويكثر العلم ويعز أهله ويقمع البدعة ويكسر أهلها . قال صاحب جامع الأصول : وقد تكلم العلماء في تأويله ، وكل واحد أشار إلى العالم الذي هو في مذهبه ، وحمل الحديث عليه ، والأولى الحمل على العموم فإن لفظة " من " تقع على الواحد والجمع ، ولا يختص أيضا بالفقهاء فإن انتفاع الأمة بهم ، وإن كان كثيرا فانتفاعهم بأولي الأمر وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ والزهاد أيضا كثير ، إذ حفظ الدين وقوانين السياسة وبث العدل وظيفة أولي الأمر ، وكذا القراء وأصحاب الحديث ينفعون بضبط التنزيل والأحاديث التي هي أصول الشرع وأدلته ، والوعاظ ينفعون بالوعظ والحث على لزوم التقوى لكن المبعوث بشرط أن يكون مشارا إليه في كل فن من هذه الفنون . نقله السيد ، وأغرب ابن حجر وحمل المجددين محصورين على الفقهاء الشافعية ، وختمهم بشيخه الشيخ زكريا مع أنه غير معروف بتجديد فن من العلوم الشرعية ، وشيخ مشايخنا السيوطي هو الذي أحيا علم التفسير المأثور في الدر المنثور ، وجمع جميع الأحاديث المتفرقة في جامعه المشهور ، وما ترك فنا إلا وله فيه متن أو شرح مسطور ، بل وله زيادات ومخترعات يستحق أن يكون هو المجدد في القرآن المذكور كما ادعاه وهو في دعواه مقبول ومشكور ، هذا والأظهر عندي والله أعلم أن المراد بمن يجدد ليس شخصا واحدا ، بل المراد به [ ص: 322 ] جماعة يجدد كل أحد في بلد في فن أو فنون من العلوم الشرعية ما تيسر له من الأمور التقريرية أو التحريرية ، ويكون سببا لبقائه وعدم اندراسه وانقضائه إلى أن يأتي أمر الله ، ولا شك أن هذا التجديد أمر إضافي ، لأن العلم كل سنة في التنزل ، كما أن الجهل كل عام في الترقي ، وإنما يحصل ترقي علماء زماننا بسبب تنزل العلم في أواننا ، وإلا فلا مناسبة بين المتقدمين والمتأخرين علما وعملا وحلما وفضلا وتحقيقا وتدقيقا لما يقتضي البعد عن زمنه عليه الصلاة والسلام ، كالبعد عن محل النور ويوجب كثرة الظلمة وقلة الظهور ، ويدل عليه ما في البخاري عن أنس مرفوعا " لا يأتي على أمتي زمان إلا الذي بعده شر منه " . وما في الكبير للطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا " ما من عام إلا وينتقص الخير فيه ويزيد الشر " وما في الطبراني عن ابن عباس قال : ما من عام إلا ويحدث الناس بدعة ويميتون سنة حتى تمات السنن وتحيا البدع . وهذه النبذة اليسيرة أيضا إنما هي من بركات علومهم ومددهم ، فيجب علينا أن نكون معترفين بأن الفضل للمتقدمين رضي الله عنهم أجمعين إلى يوم الدين . ( رواه أبو داود ) والطبراني في الأوسط ، وسنده صحيح ورجاله كلهم ثقات ، وكذا صححه الحاكم .




الخدمات العلمية