الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2942 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : انكسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات ، فانصرف وقد آضت الشمس ، وقال : " ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه ، لقد جيء بالنار ، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار وكان يسرق الحاج بمحجنه ، فإن فطن له قال : إنما تعلق بمحجني ، وإن غفل عنه ذهب به ، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها ، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا ، ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرتها لتنظروا إليه ، ثم بدا لي أن لا أفعل " . رواه مسلم .

التالي السابق


2942 - ( وعن جابر قال : انكسفت الشمس على ) : وفي نسخة : في عهد رسول الله ) : وفي نسخة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) : بإثبات الألف خطا وضم النون لفظا ( فصلى بالناس ست ركعات ) : بالتحديد أي ركوعات ( بأربع سجدات ) : يعني كان يصلي ركعتين في كل ركعة يركع ثلاثا ويسجد سجدتين ( فانصرف ) : أي : عن الصلاة ( وقد آضت الشمس ) : قال النووي - رحمه الله : " هو همزة ممدودة هكذا ضبطه جميع الرواة ببلادنا أي : عادت إلى حالها الأولى ورجعت ، ومنه قوله أيضا : وهو مصدر آض يئيض ( وقال " ما من شيء توعدونه " ) : أي : ليس شيء وعدتم بمجيئه من الجنة والنار وغيرها من أحوال يوم القيامة ( " إلا قد رأيته في صلاتي هذه ، لقد جيء بالنار " ) : أي : أحضرت ( " وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني لفحها ) : بفتح فسكون ( ومخافة ) منصوب على العلة أي : خشية إصابة لفحها إياي ، في النهاية : " لفح النار بالفاء والحاء وهجها وحرها " ( وحتى رأيت فيها ) : أي : في النار ( " صاحب المحجن " ) : بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح جيم ; عصا في رأسه اعوجاج كالصولجان والميم زائدة ، وقيل : خشب طويل على رأسه حديدة معوجة اسم آلة من الحجن بتقديم الحاء المهملة على الجيم ، وهو جر الشيء إلى جانبه ، والمراد بصاحبه عمرو بن لحي بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء ( " يجر قصبه " ) : بضم فسكون أي : يسحبه ( " في النار " ) : والقصب : المعى وجمعه أقصاب ، وقيل : القصب اسم للأمعاء كلها ، [ ص: 1972 ] وقيل : أمعاء أسفل البطن ( " وكان يسرق الحاج " ) : أي : متاعه ( " بمحجنه ، فإن فطن له " ) : بصيغة المجهول أي : علم به ( " قال : إنما تعلق " ) : أي : الشيء المسروق ( " بمحجني وإن غفل عنه " ) : على بناء المفعول أي : ذهل وجهل به ذهب به ( ذهب به وحتى رأيت فيها " ) : أي : في النار ( " صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها " ) : بضم أوله ( " ولم تدعها " ) : أي : لم تتركها ( " تأكل من خشاش الأرض " ) : بفتح الخاء المعجمة ويكسر أي : هوامها وحشراتها ( حتى ماتت " ) : أي : الهرة ( " جوعا " ) : أي : لجوعها أو بجوعها ، قيل : " الخشاش بتثليث الخاء المعجمة هوامها ، وبالحاء المهملة يابس النبات " ( " ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي " ) : أي : الأولاني ( " ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرتها لتنظروا إليه ، ثم بدا " ) : أي : ظهر ( " لي أن لا أفعل " ) : في النهاية : " البداء استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم ، قال الطيبي - رحمه الله : " لعل الاستصواب في أن لا يظهر لهم ثمرتها لئلا ينقلب الإيمان الغيبي إلى الشهودي ، ولو أراهم ثمار الجنة لزم أن يريهم لفح النار أيضا وحينئذ يغلب الخوف على الرجاء فتبطل أمور معاشهم ، ومن ثمة قال : " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا " . والله تعالى أعلم .

قال النووي : " قال العلماء : يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام رأى الجنة والنار رؤية عين كشف الله - تعالى - عنهما ، وأزال الحجب بينه وبينهما ، كما فرج له عن المسجد الأقصى ، وأن تكون رؤية علم ووحي على سبيل تفضيل وتعريف لم يعرفه قبل ذلك ، فحصل له من ذلك خشية لم يسبقها ، والتأويل الأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين من تأخره لئلا يصيبه لفحها ، وتقدمه لقطف العنقود ، وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان ، وأن ثمارها أعيان كثمار الدنيا ، وهو مذهب أهل السنة ، وأن التأخر عن موضع الهلاك والعذاب سنة ، وأن العمل القليل لا يبطل الصلاة ، وأن بعض الناس معذب في نفس جهنم اليوم ، وفي تعذيب تلك المرأة بالنار ; بسبب ربط الهرة دلالة على أن فعلها كان كبيرة ; لأن ربطها وإصرارها عليه حتى ماتت إصرار على الصغيرة والإصرار عليها يجعلها كبيرة ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية