الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب التعزير

الفصل الأول

3630 - عن أبي بردة بن دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله . متفق عليه .

التالي السابق


الفصل الأول

3630 - ( عن أبي بردة ) بضم الموحدة واسمه هانئ بالهمز ( ابن دينار ) بكسر نون فتحتية مخففة في آخره راء قال المؤلف : شهد العقبة الثانية مع السبعين وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد وهو خال البراء بن عازب ، ولا عقب له ، مات في أول زمن معاوية بعد شهوده مع علي حروبه كلها ، روى عنه البراء وجابر ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يجلد فوق عشر جلدات ) وفي الجامع الصغير : فوق عشرة أسواط . جمع جلدة بمعنى ضربة ( إلا في حد من حدود الله . متفق عليه ) ورواه أحمد والأربعة في شرح مسلم للنووي ، قال أصحابنا : هذا الحديث منسوخ ، واستدلوا بأن الصحابة جاوزوا عشرة أسواط ، وقال أصحاب مالك : إنه كان ذلك مختصا بزمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف ، وقال جمهور أصحابنا : لا يبلغ تعزير كل إنسان أدنى الحدود كالشرب ، فلا يبلغ تعزير العبد عشرين ولا تعزير الحر أربعين ، وقال أحمد بن حنبل وأشهب المالكي وبعض أصحابنا : لا تجوز الزيادة على عشرة ، وقال مالك وأصحابه وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور والطحاوي رحمهم الله : لا ضبط لعدد الضربات بل ذلك إلى رأي الإمام ، فله أن يزيد على قدر الحدود ، في شرح السنة مذهب أكثر الفقهاء أن التعزير أدب يقصر عن مبلغ أقل الحدود ; لأن الجناية الموجبة للتعزير قاصرة عن كمال دية ذلك العضو ، قال ابن الهمام : والتعزير أكثره تسعة وثلاثون سوطا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : يبلغ به خمس وسبعون سوطا ، والأصل في نقصه عن الحدود ، قوله عليه الصلاة والسلام : من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ، ذكر البيهقي أن المحفوظ أنه مرسل ، وأخرجه عن خالد بن الوليد عن النعمان بن بشير ، ورواه ابن ناجية في فوائده ثنا محمد بن حصين الأصبحي ثنا عمر بن علي المقدمي ثنا مسعر عن خالد بن الوليد عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من بلغ . الحديث ورواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار مرسلا وقال : أخبرنا مسعر بن كدام أخبرني أبو الوليد بن عثمان عن الضحاك بن مزاحم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلغ الحديث والمرسل عندنا حجة موجبة للعمل وعند أكثر أهل العلم وأبو يوسف قلد عليا كرم الله وجهه فيه لكن قال أهل الحديث : إنه غريب ، ونقله البغوي في [ ص: 2380 ] شرح السنة عن ابن أبي ليلى وبقولنا قال الشافعي في الحر وقال : في العبد تسعة عشر ; لأن حد العبد عنده عشرون وفي الأحرار أربعون وقال مالك : لا حد لأكثره فيجوز للإمام أن يزيد في التعزير في الحد إذا رأى المصلحة في ذلك مجانبا لهوى النفس لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال ثم جاء به لصاحب بيت المال فأخذ منه مالا فبلغ عمر ذلك فضربه مائة وحبسه فكلم فيه ، فضربه مائة أخرى فكلم فيه من بعد ، فضربه مائة ، فنفاه . وروى الإمام أحمد بإسناده أن عليا أتي بالنجاشي الشاعر قد شرب خمرا في رمضان فضربه ثمانين للشرب وعشرين سوطا لفطره في رمضان . ولنا الحديث المذكور ولأن العقوبة على قدر الجناية فلا يجوز أن يبلغ بما هو أهون من الزنا فوق ما فرض بالزنا وحديث معن يحتمل أن له ذنوبا كثيرة أو كان ذنبه يشمل كثيرا منها كتزويره وأخذه من بيت المال بغير حقه وفتحه باب هذه الحيلة لغيره مما كانت نفسه عارية عن استشرافها ، وحديث النجاشي ظاهر أن لا احتجاج فيه فإنه نص على أنه ضربه العشرين فوق الثمانين لفطره في رمضان وقد نصت على أنه لهذا المعنى أيضا الرواية الأخرى القائلة أن عليا أتي بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين وقال : ضربناك العشرين بجراءتك على الله تعالى وإفطارك في رمضان فإن الزيادة في التعزير على الحد ليس في هذا الحديث ، وعن أحمد لا يزاد على عشرة أسواط وعليه حمل بعض أصحاب الشافعي مذهب الشافعي لما اشتهر عن قوله إذا صح الحديث فهو مذهبي وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بردة أنه قال : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ، وأجاب أصحابنا عنه وبعض الثقات بأنه منسوخ بدليل عمل الصحابة بخلافه من غير إنكار أحد وكتب عمر إلى أبي موسى أن لا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطا . وروي ثلاثين إلى أربعين وبما ذكرنا من تقدير أكثره بتسعة وثلاثين يعرف أن ما ذكر فيما تقدم من أنه ليس في التعزير شيء مقدر بل مفوض إلى رأي الإمام أي من أنواعه فإنه يكون بالضرب وغيره مما تقدم ذكره أما إن اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة فإنه حينئذ لا يزيد على التسعة والثلاثين قال : ولا حد لأقله والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية