الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3859 - وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " القتلى ثلاثة : مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل " . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : " فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه ، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة . ومؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل " قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : " ممصمصة محت ذنوبه وخطاياه ، إن السيف محاء للخطايا ، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء . ومنافق جاهد بنفسه وماله ، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل ; فذاك في النار ، إن السيف لا يمحو النفاق " . رواه الدارمي .

التالي السابق


3859 - ( وعن عتبة رضي الله عنه ) : بضم فسكون الفوقية ( ابن عبد السلمي ) : بضم ففتح قال المصنف : وعتبة هذا كان اسمه عتلة ، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عتبة ، شهد خيبر ، روى عنه جماعة ، مات بحمص سنة سبع وثمانين ، وهو ابن أربع وتسعين ، وهو آخر من مات بالشام في قول الواقدي . ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القتلى ) : جمع قتيل ( ثلاثة ) ; أي : أصناف ( مؤمن ) ; أي : أحدهم مؤمن كامل صالح في العمل ( جاهد ) : بصيغة الماضي وفي نسخة بصيغة الفاعل ; أي : مجتهد ( بنفسه وماله في سبيل الله ) : قال الطيبي : بين القتلى بقوله مؤمن باعتبار ما يئول إليه بقوله : ( فإذا لقي العدو قاتل حتى قتل ) : ولعل العدول عن الماضي إلى المضارع استحضارا للحال وحسن المآل . ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ) : أي : في شأنه ( فذلك الشهيد الممتحن ) ; أي : المشروح صدره ، وهو الذي امتحن الله قلبه للتقوى ( في خيمة الله تحت عرشه ) : قال الطيبي : قوله : الشهيد يجوز أن يكون خبر ذلك ، والممتحن صفة الشهيد ، [ ص: 2497 ] وقوله في خيمة الله خبر بعد خبر ، وأن يكون الشهيد صفة ذلك ، وكذا الممتحن صفة لذلك ، وفي خيمة الله خبر ، والممتحن المجرب من قولهم : امتحن فلان لأمر كذا جرب له ودرب للنهوض به ، فهو مضطلع غير وان عنه ، والمعنى أنه صابر على الجهاد قوي على احتمال مشاقه ( لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ) : لجمعه بين العلم والعمل وزيادة سعادة الشهادة ، والأنبياء يشاركون أممهم فيما صدر عنهم من الطاعة والعبادة ، والجملة معترضة بين المتعاطفين ( ومؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، إذا ) : كذا في النسخ والظاهر : ( فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ) ; أي : في حقه ممصمصة ) : بالمهملتين ، وفي نسخة بالمعجمتين ففي القاموس : المصمصة المضمضة بطرف اللسان ، ومصمصة الذنوب تمحيصها ، والمضمضة تحريك الماء في الفم . وفي الفائق : ممصمصة ; أي : مطهرة من دنس الخطايا من قولهم : مصمصت الإناء بالماء إذا حركته حتى يطهر ، ومنه مصمصة الفم وهو غسله بتحريك الماء فيه كالمضمضة ، وقيل : هي بالصاد غير المعجمة بطرف اللسان ، وبالضاد بالفم كله وإنما أنث لأنه في معنى الشهادة ، أو أراد مصمصة فأقام الصفة مقام الموصوف ( محت ذنوبه وخطاياه ، إن السيف محاء ) ; أي : كثير المحو ( للخطايا ) : أي : الصغائر ، وأما الكبائر فتحت المشيئة ، لكن ورد في صحيح مسلم ، عن ابن عمر : القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة إلا الدين . ( وأدخل من أي أبواب الجنة شاء ) : تعظيما له وتكريما . قال الطيبي ، قوله : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره في أثناء الحديث مرتين احتياطا لئلا يلتبس نص النبي براويته اهتماما بشأن المقول اه . وهو يشعر بأن المعترضتين من رواية الراوي غير حال رواية هذا الحديث ، فأدرجهما فيه ، والأظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله فيما بين كل من المتعاطفين بيانا بعلو مرتبتهما ، أو تبيانا لتفاوت منزلتهما ، ولذلك قال بعد قوله : ( ومنافق ) ; أي : ومن القتلى منافق ( جاهد بنفسه وماله ، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل ; فذاك في النار ) : وإلا فالكل مشترك في وصف المقاتلة إلى أن يقتلوا ، فلا بد من التمايز بينهم لحصول المرام في الكلام ( إن السيف ) : استئناف فيه معنى التعليل ، وفي نسخة بفتح أن ( لا يمحو النفاق ) : فهو كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " على ما رواه الطبراني ، في عمرو بن النعمان بن مقرن ، وفي رواية له عن ابن عمر بلفظ : فإن الله يؤيد الإسلام برجال ما هم من أهله " وفي رواية النسائي ، وابن حبان ، عن أنس ، وأحمد ، والطبراني عن أبي بكرة بلفظ " إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم " . ( رواه الدارمي ) .




الخدمات العلمية