الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

3936 - عن أبي وائل رضي الله عنه ، قال : كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس : بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران في ملأ فارس . سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإنا ندعوكم إلى الإسلام ، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون ، فإن أبيتم فإن معي قوما يحبون القتل في سبيل الله كما يحب فارس الخمر ، والسلام على من اتبع الهدى . رواه في " شرح السنة " .

التالي السابق


الفصل الثالث

3936 - ( عن أبي وائل رضي الله عنه ) : قال المؤلف : هو شقيق بن أبي سلمة الأسدي الكوفي ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره ولم يسمع منه قال : كنت قبل أن يبعث - صلى الله عليه وسلم - ابن عشر سنين أرعى غنما لأهلي بالبادية ، روى عن خلق من الصحابة ، منهمعمر ، وابن مسعود رضي الله عنهما ، وكان خصيصا به من أكابر أصحابه ، وكان كثير الحديث ثقة ثبتا حجة ، مات زمن الحجاج . ( قال : كتب خالد بن الوليد ) : رضي الله عنه . قال المؤلف : هو قرشي مخزومي ، وأمه لبابة أخت ميمونة ، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان أحد أشراف قريش في الجاهلية ، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيف الله ، مات سنة إحدى وعشرين ، وأوصى إلى عمر بن الخطاب ، روى عنه ابن خالته ابن عباس ، وعلقمة وجبير بن نفير . وفي الإصابة للعسقلاني قال له في خالد : " فنعم عبد [ ص: 2534 ] هذا سيف من سيوف سله الله على الكفار " . وفي رواية : صبه الله على الكفار ، وروي أنه أتى بسم فوضعه في كفه ، ثم سمى وشربه فلم يضره ، وأنه رأى مع رجل زق خمر فقال : اللهم اجعله عسلا فصار عسلا . ( إلى أهل فارس ) : بكسر الراء ; أي : إلى سلاطينهم وأمرائهم ( بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رستم ) : بضم فسكون ففتح وهو غير منصرف للعلمية والعجمة ( ومهران ) : بكسر الميم ويفتح ( في ملأ فارس ) : حال من المجرورين ; أي : كائنين في زمرة أكابر فارس ، والملأ أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم ، وهم الذين يرجع إلى قولهم ( سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإنا ) : أي : معشر المسلمين ( ندعوكم إلى الإسلام ، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد ) : حال من الضمير ; أي : عن يد مؤاتية بمعنى منقادين ، أو عن يدكم بمعنى مسلمين بأيديكم غير باعثين بأيدي غيركم ، أو عن غنى فلذلك لا تؤخذ من الفقير ، أو حال من الجزية بمعنى نقدا مسلمة عن يد إلى يد ، أو عن إنعام عليكم ، فإن إبقاءكم بالجزية نعمة عظيمة ( وأنتم صاغرون ) : حال ثان من الضمير ; أي : ذليلون . قال ابن عباس : تؤخذ الجزية من الذمي ويوجأ عنقه كذا في تفسير البيضاوي ، وفي كلام خالد اقتباس من الآية الشريفة وتفسير وبيان لها ، فإنها لا تدل على قبول الإسلام منهم ، ولعل تركه لكمال الوضوح وغاية الظهور ( فإن أبيتم فإن معي قوما يحبون القتل ) : مصدر بمعنى المفعول ; أي : كونهم مقتولين ( في سبيل الله كما يحب ) : بالتذكير والتأنيث ( فارس ) : أي : أهله ( الخمر ) : أي : مع كونها مرا لما يترتب على شربها عندهم من اللذات الحسية الفانية ، فكذا القتل ، وإن كان مكروها في نظر الطبع ، إلا أنه مطبوع حبه في قلوب أهل الشرع لما يترتب عليه من اللذات الحسية والمعنوية الباقية ، فظهر وجه الشبه بينهما ، وقال الطيبي : وضع قوله فإن معي قوما موضع فتهيئوا للقتال ، وشبه محبتهم بالموت ولقاء العدو بمحبتهم الخمر ; إيذانا بشجاعتهم ، وأنهم من رجال الحرب : فوارس لا يملون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون وأنهم ليسوا منها في شيء ، بل هم قوم مشتغلون باللهو والطرب كالمخدرات . فخرت بأن ذلك لك مأكولا ولبسا وذلك فخر ربات الحجول اهـ . ويمكن أن يقال : المراد أن الشجاعة سجية لهم حتى يحبوا القتل بمغبته كما يحب فارس الخمر ; لأنها تحملهم على الحرارة وتقويهم على الشجاعة ، ففيه تعريض لهم بأن شجاعتهم عارضة وليست خلقية . ( والسلام على من اتبع الهدى ) : فكان السلام الأول مبادأة ، والثاني موادعة ، أو مراده أن السلام أولا وآخرا على من اتبع الهدى باطنا وظاهرا ( رواه ) : أي : صاحب المصابيح ( في شرح السنة ) : كتاب مشهور له بأسانيده .




الخدمات العلمية