الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

3970 - عن عائشة قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فقالوا نعم وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب إليه وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها . رواه أحمد وأبو داود .

التالي السابق


الفصل الثاني

3970 - ( عن عائشة رضي الله عنها قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم ) ; أي حين غلب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر عليهم فقتل بعضهم وأسر بعضهم وطلب منهم الفداء ( بعثت زينب ) ; أي بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ( في فداء أبي العاص ) ; أي زوجها حينئذ ( بمال وبعثت فيه ) ; أي في جملة المال ، أو لأجل خلاصه ; أيضا ( بقلادة لها ) وهي بكسر القاف ما جعل في العنق ( كانت ) ; أي تلك القلادة أولا ( عند خديجة أدخلتها ) ; أي أدخلت خديجة القلادة ( بها ) ; أي مع زينب ( على أبي العاص ) والمعنى دفعتها إليها حين دخل عليها أبو العاص زفت إليه فعرفها النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فلما رآها ) ; أي تلك القلادة ( رسول الله رق لها ) ; أي لزينب ( رقة شديدة ) ; أي لغربتها ووحدتها وتذكر عهد خديجة [ ص: 2557 ] وصحبتها فإن القلادة كانت لها وفي عنقها ( وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها ) قال الطيبي : المفعول الثاني لرأيتم وجواب الشرط محذوفان ; أي إن رأيتم الإطلاق والرد حسنا فافعلوهما ( قالوا نعم ) ; أي رأينا ذلك ( وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليه ) ; أي على أبي العاص عهدا عند إطلاقه ( أن يخلي سبيل زينب إليه ) ; أي يرسلها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويأذن لها بالهجرة إلى المدينة قال القاضي وكانت تحت أبي العاص زوجها منه قبل المبعث ( وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار قال كونا ببطن يأجج ) بفتح التحتية وهمزة ساكنة وجيم مكسورة ، ثم جيم منونة وفي نسخة مفتوحة على أنه غير منصرف ، وهو موضع قريب من التنعيم وقيل موضع إمام بمسجد عائشة وقال القاضي بطن يأجج من بطون الأودية التي حول الحرم والبطن المنخفض من الأرض وقال ابن الملك هو بالنون والجيم والخاء المهملة بعد الجيم اهـ . وفي القاموس في فصل الياء من باب الجيم يأجج بالألف كيمنع ويضرب موضع وذكر في أحاج وقال سيبويه ملحق بجعفر وذكر في فصل الهمزة من باب الجيم كيسمع وينصر موضع بمكة اهـ . وفي فصل النون من باب الحاء لم يعترض له ذكر وذكر في المغني في حرف الياء بطن يأجج بجيم فحاء موضع ( حتى تمر بكما زينب ) ; أي مع من يصحبها ( فتصحباها حتى تأتيا بها ) ; أي إلى المدينة قال الأشراف : فيه دليل على جواز المن على الأسير من غير أخذ فداء وعلى أن للإمام الأعظم أن يرسل اثنين فصاعدا من الرجال مع امرأة أجنبية في طريق عند الأمن من الفتنة قلت الاستدلال الثاني فيه نظر لجواز أن يكون معها محرم ، أو نساء ثقات وكان قبل النهي عن السفر بغير محرم وأما الأول فقد تقدم الجواب عنه فتذكر . قال ابن الهمام : وأما المفاداة بالمال بأخذه منهم فلا يجوز في المشهور من المذهب لما بينا في المفاداة من المسلمين من رده حربا علينا وفي السير الكبير أنه لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالا بأسارى بدر إذ لا شك في احتياج المسلمين بل في شدة حاجتهم إذ ذاك فليكن محمل المفاداة الكائنة في بدر بالمال وقد أنزل الله تعالى في شأن تلك المفاداة من العتب بقوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ; أي حتى يقتل أعداء الله فينفيهم عنها تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة وقوله لولا كتاب من الله سبق وهو أن لا يعذب أحدا قبل النهي ، ولم يكن نهاهم ، لمسكم فيما أخذتم من الغنائم والأسارى عذاب عام ، ثم أحلها له ولهم رحمة منه تعالى فقال فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا هي المجموع من الفداء وغيره وقيل للغنيمة فإن قيل لا شك أنه من الغنيمة قلنا لو سلم فلا شك أنه يسلم تقييده ما إذا لم يضر بالمسلمين من غير حاجة ، وفي رد تكبير المحاربين لأجل غرض دنيوي وفي الكشاف وغيره أن عمر كان أشار بقتلهم وأبا بكر بأخذ الفداء تقويا ورجاء أن يسلموا ، قال وروي أنهم لما أخذوا الفداء أنزلت الآية فدخل عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا هو وأبو بكر يبكيان فسأله فقال ابك على أصحابك في أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من الشجرة قال وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر وسعد بن معاذ لقوله الإثخان في القتل أحب إلى والله أعلم بذلك ( رواه أحمد وأبو داود ) في الإصابة أن أبا العاص هو الربيع ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف أمه هالة بنت خويلد وكانت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي العاص بن الربيع فهاجرت وأبو العاص على دينه واتفق أنه خرج إلى الشام في تجارة فلما كان قريب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه فيأخذوا ما معه ويقتلوه فبلغ ذلك زينب فقالت يا رسول الله أليس عهد المسلمين واحدا قال : نعم قالت : فأشهدت أني أجرت أبا العاص فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجوا عزلا بغير سلاح فقالوا يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل لك أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة قال بئس ما أمرتموني به أن أنسخ ديني بعذرة فمضى حتى قدم مكة فرفع إلى كل ذي حق حقه ، ثم قام فقال يا أهل مكة أوفيت ذمتي قالوا اللهم نعم قال إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم قدم المدينة مهاجرا فدفع إليه رسول الله زينب بالنكاح الأول .

[ ص: 2558 ]



الخدمات العلمية