الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4649 - وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف " . رواه الترمذي ، وقال : إسناده ضعيف .

التالي السابق


4649 - ( وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس منا ) أي : من أهل طريقتنا ومراعي متابعتنا ( من تشبه بغيرنا ) ، أي : من غير أهل ملتنا ( لا تشبهوا ) : بحذف إحدى التاءين أي : لا تتشبهوا ( باليهود ولا بالنصارى ) ، زيد " لا " لزيادة التأكيد ( فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع ، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف ) . بفتح فضم جمع كف ، والمعنى : لا تشبهوا بهم جميعا في جميع أفعالهم خصوصا في هاتين الخصلتين ، ولعلهم كانوا يكتفون في السلام أو رده أو فيهما بالإشارتين من غير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كوشف له أن بعض أمته يفعلون ذلك ، أو مثل ذلك من الانحناء أو مطأطأة الرأس ، أو الاكتفاء بلفظ السلام فقط ، ولقد رأيت في المسجد الحرام واحدا من المتصوفة الداخلة في سلك السالكين المرتاضين المتوكلين الزاهدين في الدنيا المكتفي بإزار ورداء ، صائم الدهر لازم الاعتكاف ، ليس شيء عنده من أسباب الدنيا ، وهو على ذلك أكثر من أربعين سنة ، ثم اختار السكوت المطلق في آخر العمر بحيث يكتفي في رد السلام بإشارة الرأس ، مع أنه ما كان خاليا عن نوع معرفة ودوام تلاوة وحسن خلق وسخاوة نفس ، إلا أنه كان ما يرى أنه يطوف ، والله أعلم بالحال ويرحمنا وإياه في المآل . ( رواه الترمذي ، وقال : إسناده ضعيف ) . ولعل وجهه أنه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وقد تقدم الخلاف فيه ، وأن المعتمد أن سنده حسن ، لا سيما وقد أسنده السيوطي في الجامع الصغير إلى ابن عمرو ، فارتفع النزاع وزال الإشكال .

قال الطيبي : فيه إيماء إلى أن الحكم قد يكون على خلافه وليس كذلك . قلت : ليس كذلك ; لأنه لا يلزم من كون هذا الحديث ضعيفا أن لا يكون للحكم سند آخر ، نعم فيه إيهام لذلك لا إشعار بذلك ، كيف وقد صح بالأحاديث المتواترة معنى أن السلام باللفظ سنة ، وجوابه واجب كذلك ، فبمجرد كون هذا الحديث ضعيفا لا يتصور أن ينقلب الحكم أبدا .

قال النووي : روينا عن أسماء بنت يزيد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم . قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وهو محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة ، يدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث ، وقال في روايته : فسلم علينا . قلت : على تقدير عدم تلفظه عليه السلام بالسلام لا محذور فيه ; لأنه ما شرع السلام على من مر على جماعة من النسوان ، وأن ما مر عنه عليه السلام مما تقدم من السلام المصرح ، فهو من خصوصياته عليه الصلاة والسلام ، فله أن يسلم ولا يسلم ، وأن يشير ولا يشير ، على أنه قد يراد بالإشارة مجرد التواضع من غير قصد السلام ، وقد يحمل على أنه لبيان الجواز بالنسبة إلى النساء ، وأن نهي التشبه محمول على الكراهة لا على التحريم والله أعلم .




الخدمات العلمية