الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4785 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون " قالها ثلاثا . رواه مسلم .

التالي السابق


4785 - ( وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون ) أي : المتكلفون في الفصاحة ، أو المصوتون من قعر حلوقهم ، والمرددون لكلامهم في أفواههم رعونة في القول . قال التوربشتي : أراد بهم المتعمقين الغالين في خوضهم فيما لا يعنيهم من الكلام ، والأصل في المتنطع الذي يتكلم بأقصى حلقه مأخوذا من النطع وهو الغار الأعلى . ( قالها ) أي : هذه الكلمة أو الجملة ( ثلاثا ) : إنما ردد القول ثلاثا تهويلا وتنبيها على ما فيه من الغائلة ، وتحريضا على التيقظ والتبصر دونه ، وكم تحت هذه الكلمة من مصيبة تعود على أهل اللسان والمتكلفين في القول ، الذين يرومون بسبك الكلام سبي قلوب الرجال ، نسأل الله العافية من الدخول في الأوحال .

قال الطيبي : لعل المذموم من هذا ما يكون القصد فيه مقصورا على مراعاة اللفظ ، فجيء المعنى تابعا للفظ ، وأما إذا كان بالعكس ، وكلام الله تعالى ، وكلام الرسول مصبوب في هذا القالب ، فيرفع الكلام إلى الدرجة القصوى . قال تعالى حكاية عن الهدهد : وجئتك من سبإ بنبإ يقين : هذا من جنس الكلام الذي سماه المحدثون البديع ، وهو من محاسن الكلام التي يتعلق باللفظ بشرط أن يجيء مطبوعا ، أو بصيغة العالم بجوهر الكلام يحفظ معه صحة المعنى وسداده ، ولقد جاء هاهنا زائدا على الصحة فحسن وبدع لفظا ومعنى ، ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبأ بخبر لكان المعنى صحيحا ، وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال . وقال أبو الحسن الهروي صاحب دلائل النبوة : اعلم أن التلاؤم يكون بتلاؤم الحروف ، وتلاؤم الحركات والسكنات ، وتلاؤم المعنى ، فإذا اجتمعت هذه الوجوه خرج الكلام غاية في العذوبة ، وفي حصول بعضها دون بعض انحطاط عن درجة العذوبة ، وكلما ظهرت الصيغة أكثر كان الكلام أقرب إلى التعسف . ( رواه مسلم ) وكذا أحمد وأبو داود .

[ ص: 3013 ]



الخدمات العلمية