الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4811 - وعن نافع - رحمه الله - قال : كنت مع ابن عمر في طريق ، فسمع مزمارا ، فوضع أصبعيه في أذنيه وناء عن الطريق إلى الجانب الآخر ، ثم قال لي بعد أن بعد : يا نافع ! هل تسمع شيئا ؟ قلت : لا ، فرفع أصبعيه من أذنيه ، قال : كنت مع رسول الله فسمع صوت يراع ، فصنع مثل ما صنعت . قال نافع : فكنت إذ ذاك صغيرا . رواه أحمد ، وأبو داود .

التالي السابق


4811 - ( وعن نافع - رضي الله عنه - قال : كنت مع ابن عمر في طريق ، فسمع مزمارا ، فوضع أصبعيه في أذنه وناء ) : بهمز بعد الألف أي : بعد ( عن الطريق إلى الجانب الآخر ) أي : مما هو أبعد منه ( ثم قال لي : بعد أن بعد ) : بفتح فضم أي : صار بعيدا بعض البعد عن مكان صاحب المزمار ( يا نافع ! هل تسمع شيئا ؟ ) أي : من صوت المزمار ( قلت : لا ، فرفع أصبعيه من أذنيه ، قال ) : استئناف بيان وتعليل بالدليل ( كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت يراع ) : بفتح أوله أي : قصب ( فصنع مثل ما صنعت ) أي : من وضع الأصبعين في الأذنين فقط ، أو جميع ما سبق من البعد عن الطريق ومراجعة السؤال والله أعلم . ( قال نافع : وكنت إذ ذاك صغيرا ) : ولعل ابن عمر أيضا كان صغيرا فيتم به الاستدلال والله أعلم بالحال ، مع أنه قد يقال إنه أيضا كان واضعا أصبعيه في أذنيه ، فلما سأله رفع أصبعيه فأجاب وليس حينئذ محذور ، فإنه لم يتعمد السماع ، ومثله يجوز للشخص أن يفعل أيضا بنفسه إذا كان منفردا ، بل التحقيق أن نفس الوضع من باب الورع والتقوى ومراعاة الأولى ، وإلا فلا يكلف المرء إلا بأنه لم يقصد السماع لا بأنه يفقد السماع والله أعلم .

[ ص: 3025 ] وقال الطيبي : هذا جواب سؤال مقدر يعني : ليس لقائل أن يقول سماع اليراع مباح ، والمنع ليس للتحريم بل للتنزيه ؛ لأنه لو كان حراما لمنع أيضا نافعا عن الاستماع ، والجواب : إن نافعا لم يبلغ مبلغ التكليف ، وإليه الإشارة بقوله : وكنت إذ ذاك صغيرا ولو لم يذهب إلى هذه الفائدة لكان وصفه لنفسه بالصغر ضحكة للساخرين كما في قولك : الميت اليهودي لا يبصر هذا ، وذكر الحديث بعيد السابق مشعر بأن استماع الغناء والمزمار واليراع من واد واحد ، أي : في الجملة . وفي شرح السنة : اتفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف ، وكان الذي سمع ابن عمر صفارة الرعاة ، وقد جاء مذكورا في الحديث ، وإلا لم يكن يقتصر فيه على سد المسامع دون المبالغة في الرد والزجر ، وقد رخص بعضهم في صفارة الرعاة اهـ .

ولعله كان صاحب اليراع يهوديا ، من أهل الذمة أو بعيدا عن المواجهة ، هذا وفي فتاوى قاضي خان : أما استماع صوت الملاهي كالضرب بالقضيب ونحو ذلك حرام ومعصية لقوله عليه السلام : " استماع الملاهي معصية ، والجلوس عليها فسق ، والتلذذ بها من الكفر " إنما قال ذلك على وجه التشديد وإن سمع بغتة فلا إثم عليه ، ويجب عليه أن يجتهد كل الجهد حتى لا يسمع لما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدخل أصبعه في أذنيه ، وأما قراءة أشعار العرب ما كان فيها من ذكر الفسق والخمر والغلام مكروه ؛ لأنه ذكر الفواحش ( رواه أحمد ، وأبو داود ) .




الخدمات العلمية