الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  باب رسالة عباد بن عباد الخواص الشامي

                                                  649 أخبرنا عبد الملك بن سليمان أبو عبد الرحمن الأنطاكي عن عباد بن عباد الخواص الشامي أبي عتبة قال أما بعد اعقلوا والعقل نعمة [ ص: 167 ] فرب ذي عقل قد شغل قلبه بالتعمق عما هو عليه ضرر عن الانتفاع بما يحتاج إليه حتى صار عن ذلك ساهيا ومن فضل عقل المرء ترك النظر فيما لا نظر فيه حتى لا يكون فضل عقله وبالا عليه في ترك منافسة من هو دونه في الأعمال الصالحة أو رجل شغل قلبه ببدعة قلد فيها دينه رجالا دون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اكتفى برأيه فيما لا يرى الهدى إلا فيها ولا يرى الضلالة إلا بتركها يزعم أنه أخذها من القرآن وهو يدعو إلى فراق القرآن أفما كان للقرآن حملة قبله وقبل أصحابه يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه وكانوا منه على منار كوضح الطريق فكان القرآن إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله إماما لأصحابه وكان أصحابه أئمة لمن بعدهم رجال معروفون منسوبون في البلدان متفقون في الرد على أصحاب الأهواء مع ما كان بينهم من الاختلاف وتسكع أصحاب الأهواء برأيهم في سبل مختلفة جائرة عن القصد مفارقة للصراط المستقيم فتوهت بهم أدلاؤهم في مهامه مضلة فأمعنوا فيها متعسفين في تيههم كلما أحدث لهم الشيطان بدعة في ضلالتهم انتقلوا منها إلى غيرها لأنهم لم يطلبوا أثر السالفين ولم يقتدوا بالمهاجرين وقد ذكر عن عمر أنه قال لزياد هل تدري ما يهدم الإسلام زلة عالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون اتقوا الله وما حدث في قرائكم وأهل مساجدكم من الغيبة والنميمة والمشي بين الناس بوجهين ولسانين وقد ذكر أن من كان ذا وجهين في الدنيا كان ذا وجهين في النار يلقاك صاحب الغيبة فيغتاب عندك من يرى أنك تحب غيبته ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله فإذا هو قد أصاب عند كل واحد منكما حاجته وخفي على كل واحد منكما ما أتي به عند صاحبه حضوره عند من حضره حضور الإخوان وغيبته على من غاب عنه غيبة الأعداء من حضر منهم كانت له الأثرة ومن غاب منهم لم تكن له حرمة يفتن من حضره بالتزكية ويغتاب من غاب عنه بالغيبة فيا لعباد الله أما في القوم من رشيد ولا مصلح يقمع هذا عن مكيدته ويرده عن عرض أخيه المسلم بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم فاستمكن منهم وأمكنوه من [ ص: 168 ] حاجته فأكل بدينه مع أديانهم فالله الله ذبوا عن حرم أغيابكم وكفوا ألسنتكم عنهم إلا من خير وناصحوا الله في أمتكم إذ كنتم حملة الكتاب والسنة فإن الكتاب لا ينطق حتى ينطق به وإن السنة لا تعمل حتى يعمل بها فمتى يتعلم الجاهل إذا سكت العالم فلم ينكر ما ظهر ولم يأمر بما ترك وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه اتقوا الله فإنكم في زمان رق فيه الورع وقل فيه الخشوع وحمل العلم مفسدوه فأحبوا أن يعرفوا بحمله وكرهوا أن يعرفوا بإضاعته فنطقوا فيه بالهوى لما أدخلوا فيه من الخطإ وحرفوا الكلم عما تركوا من الحق إلى ما عملوا به من باطل فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها وتقصيرهم تقصير لا يعترف به كيف يهتدي المستدل المسترشد إذا كان الدليل حائرا أحبوا الدنيا وكرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم فلم يتبرءوا مما انتفوا منه ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم لأن العامل بالحق متكلم وإن سكت وقد ذكر أن الله تعالى يقول إني لست كل كلام الحكيم أتقبل ولكني أنظر إلى همه وهواه فإن كان همه وهواه لي جعلت صمته حمدا ووقارا لي وإن لم يتكلم وقال الله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها لم يعملوا بها كمثل الحمار يحمل أسفارا كتبا وقال خذوا ما آتيناكم بقوة قال العمل بما فيه ولا تكتفوا من السنة بانتحالها بالقول دون العمل بها فإن انتحال السنة دون العمل بها كذب بالقول مع إضاعة العمل ولا تعيبوا بالبدع تزينا بعيبها فإن فساد أهل البدع ليس بزائد في صلاحكم ولا تعيبوها بغيا على أهلها فإن البغي من فساد أنفسكم وليس ينبغي للطبيب أن يداوي المرضى بما يبرئهم ويمرضه فإنه إذا مرض اشتغل بمرضه عن مداواتهم ولكن ينبغي أن يلتمس لنفسه الصحة ليقوى به على علاج المرضى فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا [ ص: 169 ] منكم لأنفسكم ونصيحة منكم لربكم وشفقة منكم على إخوانكم وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم وأن يستطعم بعضكم بعضا النصيحة وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رحم الله من أهدى إلي عيوبي تحبون أن تقولوا فيحتمل لكم وإن قيل لكم مثل الذي قلتم غضبتم تجدون على الناس فيما تنكرون من أمورهم وتأتون مثل ذلك فلا تحبون أن يوجد عليكم اتهموا رأيكم ورأي أهل زمانكم وتثبتوا قبل أن تكلموا وتعلموا قبل أن تعملوا فإنه يأتي زمان يشتبه فيه الحق والباطل ويكون المعروف فيه منكرا والمنكر فيه معروفا فكم من متقرب إلى الله بما يباعده ومتحبب إليه بما يغضبه عليه قال الله تعالى أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا الآية فعليكم بالوقوف عند الشبهات حتى يبرز لكم واضح الحق بالبينة فإن الداخل فيما لا يعلم بغير علم آثم ومن نظر لله نظر الله له عليكم بالقرآن فأتموا به وأموا به وعليكم بطلب أثر الماضين فيه ولو أن الأحبار والرهبان لم يتقوا زوال مراتبهم وفساد منزلتهم بإقامة الكتاب وتبيانه ما حرفوه ولا كتموه ولكنهم لما خالفوا الكتاب بأعمالهم التمسوا أن يخدعوا قومهم عما صنعوا مخافة أن تفسد منازلهم وأن يتبين للناس فسادهم فحرفوا الكتاب بالتفسير وما لم يستطيعوا تحريفه كتموه فسكتوا عن صنيع أنفسهم إبقاء على منازلهم وسكتوا عما صنع قومهم مصانعة لهم وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه بل مالئوا عليه ورققوا لهم فيه

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية