الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ معنى النبي ] وحقيقة " النبي " والأكثر في التلفظ به عدم الهمز : إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضا ، ولذا كان الوصف بها أشمل ، فالعدول عنها إما للتأسي بالخبر الآتي في الجمع بين وصفي النبوة والرحمة ، أو لمناسبة علوم الخبر ; لأن أحد ما قيل في اشتقاقه أنه من النبأ وهو الخبر ، أو لأنه في مقام التعريف الذي يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة أدت المراد ، [ ص: 21 ] لا في مقام الوصف ، على أن العز بن عبد السلام جنح لتفضيل النبوة على الرسالة ، وذهب غيره إلى خلافه ، كما سأوضحه في إبدال الرسول بالنبي .

و " المراحم " جمع مرحمة مصدر ميمي مفعلة من الرحمة ، ففي صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : أنا نبي التوبة ، ونبي المرحمة وفي نسخة منه وهي التي اعتمدها الدمياطي : ونبي الملحمة باللام بدل الراء ، وفي أخرى : ونبي الرحمة ، وفي حديث آخر : إن الله بعثني ملحمة ومرحمة وفي آخر : أنا نبي الملاحم ، ونبي الرحمة .

قال النووي : فيما عدا الملحمة معناها واحد متقارب ، ومقصودها أنه - صلى الله عليه وسلم - جاء بالتوبة وبالتراحم .

قلت : وأما الملحمة فهي المعركة ، فكأنه المبعوث بالقتال والجهاد ، وقد وصف الله المؤمنين بقوله : أشداء على الكفار رحماء بينهم [ الفتح : 29 ] ، وتواصوا بالمرحمة [ البلد : 17 ] أي : يرحم بعضهم بعضا ، وهي في حقنا بالمعنى اللغوي : رقة في القلب وتعطف ، ومن الرحيم : إرادة الخير بعبيده ، ومن الملائكة : طلبها منه لنا .

[ ص: 22 ] ثم إنه لقوة الأسباب عند المرء فيما يوجه إليه عزمه ، ويجمع عليه رأيه ، يصير في حكم الموجود الحاضر ; بحيث ينزله منزلته ، ويعامله بالإشارة إليه معاملته ، ولذا قال مع التخلص في التعبير أولا بـ " يقول " عن اعتذار .

( فهذه ) ; والفاء إما الفصيحة ، فالمقول ما بعدها ، أو جواب شرط محذوف تقديره : إن كنت أيها الطالب تريد البحث عن علوم الخبر ، فهذه ( المقاصد ) جمع مقصد ، وهو ما يؤمه الإنسان من أمر ويطلبه ( المهمه ) من الشيء المهم ، وهو الأمر الشديد الذي يقصد بعزم ، ( توضح ) بضم أوله من ( أوضح ) أي : تظهر وتبين ( من علم الحديث ) الذي هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي ، ( رسمه ) أي : أثره الذي تبنى عليه أصوله .

وفي التعبير به إشارة إلى دروس كثير من هذا العلم الذي باد حماله ، وحاد عن السنن المعتبر عماله ، وأنه لم يبق منه إلا آثاره ، بعد أن كانت ديار أوطانه بأهله آهلة ، وخيول فرسانه في ميدانه صاهلة :

وقد كنا نعدهم قليلا فقد صاروا أقل من القليل .

و ( الحديث ) لغة : ضد القديم ، واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا له أو فعلا أو تقريرا أو صفة ، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام ، فهو أعم من السنة [ الآتية قريبا ] ، وكثيرا ما يقع في كلام أهل الحديث ، ومنهم الناظم ، ما يدل لترادفهما .

( نظمتها ) أي : المقاصد ; حيث سلكت في جمعها المشي على بحر من البحور المعروفة عند أهل الشعر ، وإن كان النظم في الأصل أعم من ذلك ; إذ هو جمع الأشياء على هيئة متناسقة .

( تبصرة للمبتدي ) بترك همزه ، يتبصر بها ما لم يكن به عالما ، و ( تذكرة للمنتهي ) وهو الذي حصل من الشيء أكثره وأشهره ، [ ص: 23 ] وصلح مع ذلك لإفادته وتعليمه ، والإرشاد إليه وتفهيمه ، يتذكر بها ما كان عنه ذاهلا ، ( و ) كذا للراوي ( المسند ) الذي اعتنى بالإسناد فقط ، فهو يتذكر بها كيفية التحمل والأداء ومتعلقاته ، كما يتذكر بها المنتهي مجموع الفن ، فبين المسند والمنتهي عموم وخصوص من وجه ، وأشير بـ ( التبصرة والتذكرة ) إلى لقب هذه المنظومة ، وهما بالنصب مفعول له ترك فيه العاطف ، ولم أتكلف تخليص ما اشتملت عليه من بطون الكتب والدفاتر .

ولكن ( لخصت فيها ابن الصلاح ) أي : مقاصد كتابه الشهير على حد قوله : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] حيث اختصرت من ألفاظه ، وأثبت مقصوده ( أجمعه ) ، ولا ينافي التأكيد حذف كثير من أمثلته وتعاليله وغير ذلك ; إذ هو تأكيد للمقصود المقدر ; كأنه قال : لخصت المقصود أجمعه .

والتأكيد بـ " أجمع " غير مسبوق بـ " كل " واقع في القرآن وغيره ، ومنه : إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا .

ويجمع بينهما للتقوية كـ فسجد الملائكة كلهم أجمعون . [ الحجر : 30 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية