الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيهات .


249 - وإن تجد متنا ضعيف السند فقل : ضعيف أي بهذا فاقصد      250 - ولا تضعف مطلقا بناء
على الطريق إذ لعل جاء      251 - بسند مجود بل يقف
ذاك على حكم إمام يصف      252 - بيان ضعفه فإن أطلقه
فالشيخ فيما بعده حققه      253 - وإن ترد نقلا لواه أو لما
يشك فيه لا بإسنادهما      254 - فأت بتمريض كيروى
واجزم بنقل ما صح كقال فاعلم      255 - وسهلوا في غير موضوع رووا
من غير تبيين لضعف ورأوا      256 - بيانه في الحكم والعقائد
عن ابن مهدي وغير واحد

.

تنبيهات : ثلاثة ، إرداف أنواع الضعيف بها مناسب ، كما أردف الصحيح والحسن بما يناسبهما ، لكن كان جمع أوليهما بمكان واحد ; لكونهما كالمسألة الواحدة أنسب .

أحدها : ( وإن تجد متنا ) أي : حديثا ( ضعيف السند فقل ) فيه : هو ( ضعيف أي : بهذا ) السند بخصوصه ( فاقصد ) أي : انو ذاك ، فإن صرحت به فأولى ( ولا تضعف ) ذلك المتن ( مطلقا بناء ) بالمد ( على ) ضعف ذاك ( الطريق إذ لعلـ ) ـه ( جاء ) بالمد أيضا ( بسند ) آخر ( مجود ) يثبت المتن بمثله أو بمجموعهما .

( بل [ ص: 348 ] يقف ) جواز ( ذاك ) أي : الإطلاق ( على حكم إمام ) من أئمة الحديث ، صحيح الاطلاع ، معتبر الاستقراء والتتبع ( يصف بيان ) وجه ( ضعفه ) أي : الحديث بأنه ليس له إسناد يثبت هذا المتن بمثله ، أو بأنه ضعيف بشذوذ أو نكارة أو نحوهما .

( فإن أطلقه ) أي : أطلق ذاك الإمام الضعيف ( فالشيخ ) ابن الصلاح ( فيما بعده ) بيسير ، ذيل مسألة كون الجرح لا يقبل إلا مفسرا قد ( حققه ) .

ثم إن ما ذهب إليه من المنع إما أن يكون بالنسبة لمن لم يفحص عن الطرق ويبحث عنها ، أو مطلقا كما اختاره شيخنا ، حيث قال : والظاهر أنه مشى على أصله في تعذر استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به ، والحق خلافه كما تقرر في موضعه ، فإذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد ، وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه ، فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة - ساغ له الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه ، وكذا إذا وجد جزم إمام من أئمة الحديث بأن راويه الفلاني تفرد به ، وعرف المتأخر أن ذاك المتفرد قد ضعف بقادح أيضا .

ووراء هذا أنه على كل حال يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أبداها المناظر وينقطع ; إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت بطريق أخرى ، قاله ابن كثير .

ثانيها : ( وإن ترد نقلا لـ ) حديث ( واه ) يعني ضعيفا ، قل الضعف أو كثر ، ما لم يبلغ الوضع ( أو لما يشك ) من أهل الحديث ( فيه ) أصحيح أو ضعيف ، إما بالنظر إلى اختلافهم في راويه أو غير ذلك ، ( لا بـ ) إبراز ( إسنادهما ) أي : المشكوك فيه والمجزوم به ، بل بمجرد إضافتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى الصحابي ، أو من دونه ; [ ص: 349 ] بحيث يشمل المعلق .

( فأت بتمريض كيروى ) ويذكر وبلغنا وروى بعضهم ، ونحوها من صيغ التمريض التي اكتفي بها عن التصريح بالضعف ، ولا تجزم بنقله خوفا من الوعيد ، واحتياطا ، فإن سقت إسنادهما فيؤخذ حكمه مما بعده ( واجزم ) فيما تورده لا بسند ( بنقل ما صح ) بالصيغ المعروفة بالجزم .

( كقال ) ونحوها ( فاعلم ) ذلك ولا تنقله بصيغة التمريض ، وإن فعله بعض الفقهاء ، واستحضر ما أسلفته لك من كلام النووي وغيره مما يتعلق بهذه المسألة عند التعليق .

ثالثها : ( وسهلوا في غير موضوع رووا ) حيث اقتصروا على سياق إسناده ( من غير تبيين لضعف ) ، لكن فيما يكون في الترغيب والترهيب من المواعظ ، والقصص ، وفضائل الأعمال ، ونحو ذلك خاصة ( ورأوا بيانه ) وعدم التساهل في ذلك ، ولو ساقوا إسناده ( في ) أحاديث ( الحكم ) الشرعي من الحلال والحرام وغيرهما .

( و ) كذا في العقائد كصفات الله تعالى ، وما يجوز له ، ويستحيل عليه ، ونحو ذلك ، ولذا كان ابن خزيمة وغيره من أهل الديانة إذا روى حديثا ضعيفا قال : حدثنا فلان مع البراءة من عهدته ، وربما قال هو والبيهقي : إن صح الخبر .

وهذا التساهل والتشديد منقول ( عن ابن مهدي ) عبد الرحمن ( وغير واحد ) من الأئمة ; كأحمد بن حنبل ، وابن معين ، وابن المبارك ، والسفيانين ; بحيث عقد أبو أحمد بن عدي في مقدمة ( كامله ) ، والخطيب في كفايته لذلك بابا .

وقال ابن عبد البر : " أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به " .

وقال الحاكم : سمعت أبا زكريا العنبري يقول : " الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا ، ولم يحل حراما ، ولم يوجب حكما ، وكان في ترغيب أو ترهيب أغمض عنه ، وتسهل [ ص: 350 ] في رواته .

ولفظ ابن مهدي فيما أخرجه البيهقي في المدخل : ( إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والأحكام ، شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال ، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب ، سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال ) .

ولفظ أحمد في رواية الميموني عنه : ( الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم ) .

وقال في رواية عباس الدوري عنه : ( ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - يعني : المغازي - ونحوها ، وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا ، وقبض أصابع يديه الأربع ) .

لكنه احتج رحمه الله بالضعيف حيث لم يكن في الباب غيره ، وتبعه أبو داود وقدماه على الرأي والقياس ، ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك ، وأن الشافعي يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره كما سلف كل ذلك في أواخر الحسن .

وكذا إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول يعمل به على الصحيح ، حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به ; ولهذا قال الشافعي - رحمه الله - في حديث : لا وصية لوارث : إنه لا يثبته أهل الحديث ، ولكن العامة تلقته بالقبول ، وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية له .

[ ص: 351 ] أو كان في موضع احتياط كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة ، فإن المستحب - كما قال النووي - أن يتنزه عنه ، ولكن لا يجب ، ومنع ابن العربي المالكي العمل بالضعيف مطلقا .

ولكن قد حكى النووي في عدة من تصانيفه إجماع أهل الحديث وغيرهم على العمل به في الفضائل ونحوها خاصة .

فهذه ثلاثة مذاهب أفاد شيخنا أن محل الأخير منها حيث لم يكن الضعف شديدا ، وكان مندرجا تحت أصل عام ; حيث لم يقم على المنع منه دليل أخص من ذلك العموم ، ولم يعتقد عند العمل به ثبوته ، كما بسطتها في موضع آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية