الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 192 ] الثالث : إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن ، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنا ، وكذا إذا كان ضعفها لإرسال زال بمجيئه من وجه آخر ، وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره .

        التالي السابق


        ( الثالث : إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها ) أنه ( حسن بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر ) ، وعرفنا بذلك أنه قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه ، ( وصار ) الحديث ( حسنا ) بذلك ، كما رواه الترمذي وحسنه من طريق شعبة ، عن عاصم بن [ ص: 193 ] عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر ( ق 58 \ أ ) بن ربيعة ، عن أبيه ، أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجاز " .

        قال الترمذي : وفي الباب ، عن عمر ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وأبي حدرد ، فعاصم ضعيف لسوء حفظه ، وقد حسن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه .

        ( وكذا إذا كان ضعفها لإرسال ) ، أو تدليس ، أو جهالة رجال ، كما زاده شيخ الإسلام ( زال بمجيئه من وجه آخر ) وكان دون الحسن لذاته .

        مثال الأول يأتي في نوع المرسل ، ومثال الثاني ما رواه الترمذي وحسنه من طريق هشيم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب مرفوعا : " إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة ، وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب " .

        فهشيم موصوف بالتدليس ، لكن لما تابعه عند الترمذي أبو يحيى التيمي ، وكان [ ص: 194 ] للمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري ، وغيره حسنه .

        ( وأما الضعف لفسق الراوي ) ، أو كذبه ، ( فلا يؤثر فيه موافقة غيره ) له ، إذا كان الآخر مثله ; لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر .

        نعم يرتقي بمجموع طرقه ، عن كونه منكرا أو لا أصل له . صرح به شيخ الإسلام ، قال : بل ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور والسيئ الحفظ ، بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن .



        خاتمة

        من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول : الجيد ، والقوي ، والصالح والمعروف ، والمحفوظ ، والمجود ، والثابت .

        فأما الجيد : فقال شيخ الإسلام في الكلام على أصح الأسانيد لما حكى ابن الصلاح ( ق 58 \ ب ) ، عن أحمد بن حنبل أن أصحها : الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : عبارة أحمد أجود الأسانيد ، كذا أخرجه الحاكم .

        قال : وهذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح ، كذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة .

        وفي " جامع الترمذي " في الطب : هذا حديث جيد حسن ، وكذا قال غيره ، لا [ ص: 195 ] مغايرة بين جيد وصحيح عندهم ، إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة ، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ، ويتردد في بلوغه الصحيح ، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح ، وكذا القوي .

        وأما الصالح فقد تقدم في شأن سنن أبي داود أنه شامل للصحيح والحسن ، لصلاحيتهما للاحتجاج ، ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار .

        وأما المعروف فهو مقابل المنكر ، والمحفوظ مقابل الشاذ ، وسيأتي تقرير ذلك في نوعيهما ، والمجود والثابت يشملان أيضا الصحيح .

        قلت : ومن ألفاظهم أيضا المشبه ، وهو يطلق على الحسن وما يقاربه ، فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح .

        قال أبو حاتم : أخرج عمرو بن حصين الكلابي أول شيء أحاديث مشبهة حسانا ، ثم أخرج بعد أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا .




        الخدمات العلمية