الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 281 ] النوع الخامس عشر :

        معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد . هذه أمور يتعرفون بها

        حال الحديث ، فمثال الاعتبار : أن يروي حماد مثلا حديثا لا يتابع عليه ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر هل رواه ثقة غير أيوب ، عن ابن سيرين ، فإن لم يوجد فغير ابن سيرين ، عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأي ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه ، وإلا فلا ، والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد ، وهي المتابعة التامة ، أو عن ابن سيرين غير أيوب ، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين ، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابي آخر . فكل هذا يسمى متابعة ، وتقصر عن الأولى بحسب بعدها منها ، وتسمى المتابعة شاهدا ، والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه ولا يسمى هذا متابعة ، وإذا قالوا في مثله : تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد كان مشعرا بانتفاء المتابعات ، وإذا انتفت مع الشواهد ، فحكمه ما سبق في الشاذ ، ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ، ولا يصلح لذلك كل ضعيف .

        التالي السابق


        ( النوع الخامس عشر : معرفة الاعتبار والمتابعات ، والشواهد ، هذه أمور ) يتداولها أهل الحديث ( يتعرفون بها حال الحديث ) ينظرون هل تفرد به راويه أم لا ؟ وهل هو معروف أو لا ؟ فالاعتبار أن يأتي إلى حديث لبعض الرواة فيعتبره [ ص: 282 ] بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث ; ليعرف هل شاركه في ذلك الحديث راو غيره ، فرواه عن شيخه أو لا ؟ فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه ، فرواه عمن روى عنه ؟ وهكذا إلى آخر الإسناد وذلك المتابعة ، فإن لم يكن فينظر هل أتى بمعناه حديث آخر ؟ وهو الشاهد ، فإن لم يكن فالحديث فرد ، فليس الاعتبار قسيما للمتابع والشاهد ، بل هو هيئة التوصل إليهما .

        ( فمثال الاعتبار أن يروي حماد ) ابن سلمة ( مثلا حديثا لا يتابع عليه ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن لم يوجد ) ثقة غيره ، ( فغير ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وإلا ) أي وإن لم يوجد ثقة ، عن أبي هريرة غيره ، ( فصحابي غير أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأي ذلك وجد علم ) به ( أن له أصلا يرجع إليه ، وإلا ) أي وإن لم يوجد شيء من ذلك ( فلا ) أصل له .

        كالحديث الذي رواه الترمذي ، من طريق حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، أراه رفعه " أحبب حبيبك هونا ما " الحديث .

        قال الترمذي : غريب لا نعرفه بهذا الإسناد ، إلا من هذا الوجه .

        [ ص: 283 ] أي من وجه يثبت ، وإلا فقد رواه الحسن بن دينار ، عن ابن سيرين ، والحسن متروك الحديث ، لا يصلح للمتابعات .

        ( والمتابعة أن يرويه ، عن أيوب غير حماد ، وهي المتابعة التامة ، أو ) لم يروه عنه غيره ، ورواه ( ، عن ابن سيرين غير أيوب أو عن أبي هريرة ، غير ابن سيرين أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابي آخر ) ، غير أبي هريرة ( فكل هذا يسمى متابعة ، وتقصر عن ) المتابعة ( الأولى بحسب بعدها منها ) ، أي بقدره ( وتسمى المتابعة شاهدا ) أيضا .

        ( والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه ، ولا يسمى هذا متابعة ) ، فقد حصل اختصاص المتابعة بما كان باللفظ ، سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا ، والشاهد أعم ، وقيل : هو مخصوص بما كان بالمعنى كذلك .

        [ ص: 284 ] وقال شيخ الإسلام : قد يسمى الشاهد متابعة أيضا ، والأمر سهل ، مثال ما اجتمع فيه المتابعة التامة والقاصرة والشاهد . ما رواه الشافعي في " الأم " ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ، فهذا الحديث بهذا اللفظ ، ظن قوم أن الشافعي تفرد به ، عن مالك ، فعدوه في غرائبه ; لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد ، بلفظ : " فإن غم عليكم فاقدروا له " ، لكن وجدنا للشافعي متابعا ، وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، كذلك أخرجه البخاري عنه ، عن مالك ، وهذه متابعة تامة ، ووجدنا له متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد ، عن أبيه محمد بن زيد ، عن جده عبد الله بن عمر " فأكملوا العدة ثلاثين " ، وفي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر بلفظ : " فاقدروا ثلاثين " ، ووجدنا له شاهدا رواه النسائي من رواية محمد بن حنين ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل حديث عبد الله بن [ ص: 285 ] دينار ، عن ابن عمر بلفظه سواء ، ورواه البخاري من رواية محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، بلفظ " فإن أغمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " ، وذلك شاهد بالمعنى .

        ( وإذا قالوا في مثله ) أي الحديث ( تفرد به أبو هريرة ) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أو ابن سيرين ) ، عن أبي هريرة ( أو أيوب ) ، عن ابن سيرين ( أو حماد ) ، عن أيوب ، ( كان مشعرا بانتفاء ) وجوه ( المتابعات ) فيه ، ( وإذا انتفت ) المتابعات ( مع الشواهد ، فحكمه ما سبق في الشاذ ) من التفصيل .

        ( ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ، ولا يصلح لذلك كل ضعيف ) كما سيأتي في ألفاظ الجرح والتعديل .




        الخدمات العلمية