الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 104 ] ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه .

        قيل : ولم يفتهما إلا القليل وأنكر هذا . والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير ، أعني الصحيحين ، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي .

        [ ص: 108 ]

        التالي السابق


        ( ولم يستوعبا الصحيح ) في كتابيهما ( ولا التزماه ) أي استيعابه .

        فقد قال البخاري : ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح ، وتركت من الصحاح خشية أن يطول الكتاب ، وقال مسلم : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا ، إنما وضعت ما أجمعوا عليه ، يريد ما وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه ، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم ، قاله ابن الصلاح .

        ورجح

        [ المصنف في شرح مسلم ] ، أن المراد ما لم تختلف الثقات فيه في نفس الحديث متنا وإسنادا ، لا ما لم يختلف في توثيق رواته ، قال : ودليل ذلك أنه سئل عن حديث أبي هريرة : " فإذا قرأ فأنصتوا " هل هو صحيح ؟ فقال : عندي هو صحيح ، فقيل لم لم تضعه هنا ؟ فأجاب بذلك .

        [ ص: 105 ] قال : ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في متنها أو إسنادها ، وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط ، أو سبب آخر .

        وقال البلقيني : قيل : أراد مسلم إجماع أربعة : أحمد بن حنبل ، وابن معين وعثمان بن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور الخراساني .

        قال المصنف في شرح مسلم : وقد ألزمهما الدارقطني وغيره إخراج أحاديث على شرطهما لم يخرجاها ، وليس بلازم لهما ، لعدم التزامهما ذلك ، قال : وكذلك قال البيهقي : قد اتفقا على أحاديث من صحيفة همام وانفرد كل واحد منهما بأحاديث منها ، مع أن الإسناد واحد .

        قال المصنف : لكن إذا كان الحديث الذي تركاه أو أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ، ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه ، فالظاهر أنهما اطلعا فيه على علة ، ويحتمل أنهما نسياه أو تركاه خشية الإطالة أو رأيا أن غيره يسد مسده .

        ( قيل ) أي قال الحافظ أبو عبد الله بن الأخرم ( ولم يفتهما إلا القليل وأنكر هذا ) القول البخاري فيما نقله الحازمي والإسماعيلي : وما تركت من الصحاح أكثر .

        قال ابن الصلاح : والمستدرك للحاكم كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير ، وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير .

        [ ص: 106 ] قال المصنف زيادة عليه : ( والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير ؛ أعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي ) .



        قال العراقي : في هذا الكلام نظر . لقول البخاري : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح ، قال : ولعل البخاري أراد بالأحاديث المكررة الأسانيد والموقوفات ، فربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين .

        زاد ابن جماعة في المنهل الروي : أو أراد المبالغة في الكثرة ، قال : والأول أولى ، قيل : ويؤيد أن هذا هو المراد ، أن الأحاديث الصحاح التي بين أظهرنا - بل وغير الصحاح - لو تتبعت من المسانيد والجوامع والسنن والأجزاء وغيرها لما بلغت مائة ألف بلا تكرار ، بل ولا خمسين ألفا ، ويبعد كل البعد أن يكون رجل واحد حفظ ما فات الأمة جميعه ، فإنه إنما حفظه من أصول مشايخه وهي موجودة .

        وقال ابن الجوزي : حصر الأحاديث يبعد إمكانه ، غير أن جماعة بالغوا في تتبعها وحصروها .

        قال الإمام أحمد : صح سبعمائة ألف وكسر ، وقال : جمعت من المسند أحاديث انتخبتها من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا .

        [ ص: 107 ] قال شيخ الإسلام : ولقد كان استيعاب الأحاديث سهلا لو أراد الله تعالى ذلك ، بأن يجمع الأول منهم ما وصل إليه ، ثم يذكر من بعده ما اطلع عليه مما فاته من حديث مستقل أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها ، فيكون كالذيل عليه ، وكذا من بعده فلا يمضي كثير من الزمان إلا وقد استوعبت وصارت كالمصنف الواحد ، ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن .

        قلت : قد صنع المتأخرون ما يقرب من ذلك ، فجمع بعض المحدثين عمن كان في عصر شيخ الإسلام زوائد سنن ابن ماجه على الأصول الخمسة ، وجمع الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائد مسند أحمد على الكتب الستة المذكورة في مجلدين ، وزوائد مسند البزار في مجلد ضخم ، وزوائد معجم الطبراني الكبير في ثلاثة ، وزوائد المعجمين الأوسط والصغير في مجلدين ، وزوائد أبي يعلى في مجلد ، ثم جمع هذه الزوائد كلها في كتاب محذوف الأسانيد ، وتكلم على الأحاديث ، ويوجد فيها صحيح كثير ، وجمع زوائد الحلية لأبي نعيم في مجلد ضخم ، وزوائد فوائد تمام وغير ذلك .

        وجمع شيخ الإسلام زوائد مسانيد إسحاق ، وابن أبي عمر ، ومسدد ، وابن أبي شيبة ، والحميدي ، وعبد بن حميد ، وأحمد بن منيع ، والطيالسي في مجلدين ، وزوائد مسند الفردوس في مجلد ، وجمع صاحبنا الشيخ زين الدين قاسم الحنفي زوائد سنن الدارقطني في مجلد .

        [ وجمعت زوائد شعب الإيمان للبيهقي في مجلد ] ، وكتب الحديث الموجودة سواها كثيرة جدا ، وفيها الزوائد بكثرة فبلوغها العدد السابق لا يبعد ، والله أعلم .



        [ ص: 108 ] [ تنبيهات ]

        أحدها : ذكر الحاكم في المدخل : أن الصحيح عشرة أقسام ، وسيأتي نقلها عنه ، وذكر منها في القسم الأول الذي هو الدرجة الأولى : واختيار الشيخين أن يرويه الصحابي المشهور بالرواية ، وله راويان ثقتان ، إلى آخر كلامه الآتي عنه ، ثم قال : والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث ، انتهى .

        وحينئذ يعرف من هذا الجواب عن قول ابن الأخرم ، فكأنه أراد : لم يفتهما من أصح الصحيح الذي هو الدرجة الأولى وبهذا الشرط إلا القليل ، والأمر كذلك .

        الثاني : لم يدخل المصنف سنن ابن ماجه في الأصول ، وقد اشتهر في عصر المصنف وبعده جعل الأصول ستة بإدخاله فيها ، قيل : وأول من ضمه إليها ابن طاهر المقدسي ، فتابعه أصحاب الأطراف والرجال والناس ، وقال المزي : كل ما انفرد به عن الخمسة فهو ضعيف ، قال الحسيني : يعني من الأحاديث ، وتعقبه شيخ الإسلام : بأنه انفرد بأحاديث كثيرة وهي صحيحة ، قال : فالأولى حمله على الرجال .

        [ ص: 109 ] الثالث : سنن النسائي الذي هو أحد الكتب الستة أو الخمسة ، هي الصغرى دون الكبرى ، صرح بذلك التاج بن السبكي قال : وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال ، وإن كان شيخه المزي ضم إليها الكبرى ، وصرح ابن الملقن بأنها الكبرى ، وفيه نظر .

        ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي ، أن النسائي لما صنف الكبرى أهداها لأمير الرملة فقال له : كل ما فيها صحيح ، فقال : لا ، فقال : ميز لي الصحيح من غيره ، فصنف له الصغرى .




        الخدمات العلمية