الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 141 ] وإذا قالوا : صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين ، وذكر الشيخ أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه .

        وخالفه المحققون والأكثرون . فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر .

        [ ص: 154 ]

        التالي السابق


        ( وإذا قالوا : صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين ) لا اتفاق الأمة ، قال ابن الصلاح : لكن يلزم من اتفاقهما اتفاق الأمة عليه لتلقيهم له بالقبول .

        ( وذكر الشيخ ) يعني ابن الصلاح ( أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه ) ، قال : خلافا لمن نفى ذلك ، محتجا بأنه لا يفيد إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن . والظن قد يخطئ .

        قال : وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا . ثم بان لي أن الذي اخترناه أولا هو الصحيح ؛ لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها .

        [ ص: 142 ] وقد قال إمام الحرمين : لو حلف إنسان بطلاق امرأته : أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ، لإجماع علماء المسلمين على صحته .

        قال : وإن قال قائل ، إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها ، للشك في الحنث ، فإنه لو حلف بذلك في حديث ليس هذه صفته لم يحنث ، وإن كان رواته فساقا .

        فالجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا ، وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا حتى تستحب الرجعة .

        قال المصنف : ( وخالفه المحققون والأكثرون ، فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ) .

        قال في شرح مسلم : لأن ذلك شأن للآحاد ، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما ، وتلقي الأمة بالقبول ، إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما ، من غير توقف على النظر فيه ، بخلاف غيرهما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على القطع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

        قال : وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بما قاله الشيخ ، وبالغ في تغليطه . انتهى .

        وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول . وقال : إن بعض المعتزلة [ ص: 143 ] يرون : أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته ، قال وهو مذهب رديء ، وقال البلقيني : ما قاله النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع ، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح عن جماعة من الشافعية ، كأبي إسحاق وأبي حامد الإسفراييني ، والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وعن السرخسي من الحنفية ، والقاضي عبد الوهاب من المالكية ، وأبي يعلى ، وأبي الخطاب ، وابن الزاغوني من الحنابلة ، وابن فورك ، وأكثر أهل الكلام من الأشعرية ، وأهل الحديث قاطبة ، ومذهب السلف عامة أنهم يقطعون بالحديث الذي تلقته الأمة بالقبول ، بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صفة التصوف ، فألحق به ما كان على شرطهما ، وإن لم يخرجاه .

        وقال شيخ الإسلام : ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين ، أما المحققون فلا ، فقد وافق ابن الصلاح أيضا محققون .

        وقال في شرح النخبة : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك ، قال : وهو أنواع : منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر ، فإنه احتف به قرائن .

        [ ص: 144 ] منها : جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول ، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر ، إلا أن هذا مختص بما لا ينتقده أحد من الحفاظ مما في الكتابين ، وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في الكتابين ، حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر ، وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته .

        قال : وما قيل من أنهم إنما اتفقوا على وجوب العمل به لا على صحة معناه ممنوع ؛ لأنهم اتفقوا على وجوب العمل بكل ما صح ، ولو لم يخرجاه ، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية ، والإجماع حاصل على أن لهما مزية ، فيما يرجع إلى نفس الصحة .

        قال : ويحتمل أن يقال : المزية المذكورة كون أحاديثهما أصح الصحيح ، قال : ومنها المشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل ، وممن صرح بإفادته العلم النظري ، الأستاذ أبو منصور البغدادي .

        قال : ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا ، كحديث يرويه أحمد مثلا ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ، ويشاركه فيه غيره عن مالك ، فإنه يفيد العلم عند سماعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته .

        [ ص: 145 ] قال : وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم بصدق الخبر منها إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل ، وكون غيره لا يحصل له العلم بصدق ذلك لقصوره عن الأوصاف المذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور . انتهى .

        وقال ابن كثير : وأنا مع ابن الصلاح فيما عول عليه وأرشد إليه ، قلت : وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه .

        نعم يبقى الكلام في التوفيق بينه وبين ما ذكره أولا من أن المراد بقولهم : هذا حديث صحيح ، أنه وجدت فيه شروط الصحة ، لا أنه مقطوع به في نفس الأمر ، فإنه مخالف لما هنا ، فلينظر في الجمع بينهما ، فإنه عسر ولم أر من تنبه له .



        تنبيه

        استثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته فيهما ، ما تكلم فيه من أحاديثهما فقال : سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره .

        قال شيخ الإسلام : وعدة ذلك مائتان وعشرون حديثا ، اشتركا في اثنين وثلاثين ، واختص البخاري بثمانين إلا اثنين ، ومسلم بمائة وعشرة .

        [ ص: 146 ] فقال المصنف في شرح البخاري : ما ضعف من أحاديثهما مبني على علل ليست بقادحة .

        وقال شيخ الإسلام : فكأنه مال بهذا إلى أنه ليس فيهما ضعيف ، وكلامه في شرح مسلم يقتضي تقرير قول من ضعف ، فكان هذا بالنسبة إلى مقامهما وأنه يدفع عن البخاري . ويقرر على مسلم .

        قال العراقي : وقد أفردت كتابا لما تكلم في الصحيحين أو أحدهما مع الجواب عنه ، قال شيخ الإسلام : ولم يبيض هذا الكتاب وعدمت مسودته ، وقد سرد شيخ الإسلام ما في البخاري من الأحاديث المتكلم فيها في مقدمة شرحه وأجاب عنها حديثا حديثا .

        ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفا مخصوصا فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته ، وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتابا في الرد عليه ، وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح ، بعضها أبهم راويه ، وبعضها فيه إرسال وانقطاع ، وبعضها فيه وجادة وهي في حكم الانقطاع ، وبعضها بالمكاتبة .

        [ ص: 147 ] وقد ألف الرشيد العطار كتابا في الرد عليه والجواب عنها حديثا حديثا ، وقد وقفت عليه ، وسيأتي نقل ما فيه ملخصا مفرقا في المواضع اللائقة به إن شاء الله تعالى ، ونعجل هنا بجواب شامل لا يختص بحديث دون حديث .

        قال شيخ الإسلام في مقدمة شرح البخاري : الجواب من حيث الإجمال عما انتقد عليهما ، أنه لا ريب في تقدم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والعلل ، فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث ، وعنه أخذ البخاري ذلك ، ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول : ما رأى مثل نفسه ، وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري ، وقد استفاد منه ذلك الشيخان جميعا .

        وقال مسلم : عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته ، فإذا عرف ذلك ، وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له ، أو له علة غير مؤثرة عندهما ، فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما ، يكون قوله معارضا لتصحيحهما ، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما ، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة .



        وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما ستة أقسام : الأول : ما يختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد ، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة ، وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود ؛ لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر ؛ لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه [ ص: 148 ] ثم لقيه فسمعه منه ، وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع ، والمنقطع ضعيف والضعيف لا يعل الصحيح ، ومن أمثلة ذلك : ما أخرجاه من طريق الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين .

        قال الدارقطني في انتقاده : قد خالف منصور ، فقال : عن مجاهد عن ابن عباس ، وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس ، قال : وحديث الأعمش أصح .

        قال شيخ الإسلام : وهذا في التحقيق ليس بعلة ، فإن مجاهدا لم يوصف بالتدليس ، وقد صح سماعه من ابن عباس ، ومنصور عندهم أتقن من الأعمش ، والأعمش أيضا من الحفاظ ، فالحديث كيفما دار دار على ثقة ، والإسناد كيفما دار كان متصلا ، وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا ، وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة ، وعلله الناقد بالمزيدة ، تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف ، فينظر : إن كان الراوي صحابيا أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكا بينا ، أو صرح بالسماع إن كان مدلسا من طريق أخرى ، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك ، وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهرا ، فمحصل الجواب أنه إنما أخرج [ ص: 149 ] مثل ذلك حيث له سائغ وعاضد ، وحفته قرينة في الجملة تقويه ، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع . مثاله : ما رواه البخاري من حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : " إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " الحديث .

        قال الدارقطني : هذا منقطع ، وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ، ووصله مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة كذلك .

        قال شيخ الإسلام : حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان ، وقد وقع في رواية الأصيلي عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصلا ، وعليها اعتمد المزي في الأطراف ، ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب .

        قال أبو علي الجياني : وهو الصحيح . وكذا أخرجه الإسماعيلي بإسقاطها من حديث عبدة بن سليمان ، ومحاضر ، وحسان بن إبراهيم ، كلهم عن هشام وهو المحفوظ [ ص: 150 ] من حديثه ، وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب ، ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها ، حاكيا للخلاف فيه على عروة كعادته ، مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بالمبعد .

        قال : وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعي فيها الانقطاع ، لكونها مروية بالمكاتبة والإجازة ، وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ ذلك ، بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحته عنده .



        القسم الثاني : ما يختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد ، والجواب عنه : أنه إن أمكن الجمع ، بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما ، حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد ، أو متفاوتين ، فيخرج الطريقة الراجحة ويعرض عن المرجوحة ، أو يشير إليها ، فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح ، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف .



        الثالث : ما تفرد فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه ، أو أضبط ، وهذا لا يؤثر التعليل به ، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع ، وإلا فهي كالحديث المستقل ، إلا إن وضح بالدليل القوي أنها مدرجة من كلام بعض رواته فهو مؤثر ، وسيأتي مثاله في المدرج .



        الرابع : ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف ، وليس في الصحيح من هذا القبيل [ ص: 151 ] غير حديثين تبين أن كلا منهما قد توبعا .

        أحدهما : حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه : " أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا " الحديث بطوله . قال الدارقطني : إسماعيل ضعيف .

        قال شيخ الإسلام : ولم ينفرد به ، بل تابعه معن بن عيسى عن مالك ، [ ص: 152 ] ثم إن إسماعيل ضعفه النسائي وغيره ، وقال أحمد وابن معين في رواية : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، كان مغفلا . وقد صح أنه أخرج للبخاري أصوله ، وأذن له أن ينتقي منها ، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه ؛ لأنه كتب من أصوله ، وأخرج له مسلم أقل مما أخرج له البخاري .

        [ ص: 153 ] ثانيهما : حديث أبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه ، عن جده ، قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف . قال الدارقطني ؛ أبي ضعيف .

        قال شيخ الإسلام : تابعه عليه أخوه عبد المهيمن .



        القسم الخامس : ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم ، فمنه ما لا يؤثر قدحا ، ومنه ما يؤثر .

        السادس : ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن ، فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح ، لإمكان الجمع أو الترجيح ، انتهى .



        [ ص: 154 ] [ فائدة تتعلق بالمتفق عليه ]

        قال الحاكم : الحديث الصحيح ينقسم عشرة أقسام : خمسة متفق عليها ، وخمسة مختلف فيها : فالأول من المتفق عليها : اختيار البخاري ومسلم ، وهو الدرجة الأولى من الصحيح ، وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور إلى آخر كلامه السابق ، وقد تقدم ما فيه .

        الثاني : مثل الأول ، إلا أنه ليس لراويه الصحابي إلا راو واحد ، مثاله حديث عروة بن مضرس ، لا راوي له غير الشعبي ، وذكر أمثلة أخرى ، ولم يخرجا هذا النوع في الصحيح .

        قال شيخ الإسلام : بل فيهما جملة من الأحاديث عن جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد ، وقد تعرض المصنف لذلك في نوع الوحدان ، وسيأتي فيه مزيد كلام .

        الثالث : مثل الأول إلا أن راويه من التابعين ليس له إلا راو واحد ، مثل محمد بن جبير ، وعبد الرحمن بن فروخ ، وليس في الصحيح من هذه الروايات شيء ، وكلها صحيحة .

        قال شيخ الإسلام في نكته : بل فيهما القليل من ذلك ، كعبد الله بن وديعة ، وعمر بن محمد بن جبير بن مطعم ، وربيعة بن عطاء .

        الرابع : الأحاديث الأفراد الغرائب التي ينفرد بها ثقة من الثقات ، كحديث العلاء [ ص: 155 ] عن أبيه عن أبي هريرة ، في النهي عن الصوم إذا انتصف شعبان ، تركه مسلم لتفرد العلاء به ، وقد أخرج بهذه النسخة أحاديث كثيرة .

        قال شيخ الإسلام : بل فيهما كثير منه ، لعله يزيد على مائتي حديث ، وقد أفردها الحافظ ضياء الدين المقدسي ، وهي المعروفة بغرائب الصحيح .

        الخامس : أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ، لم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم إلا عنهم ، كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، [ وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ] ، وإياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده ، أجدادهم صحابة ، وأحفادهم ثقات ، فهذه أيضا محتج بها ، مخرجة في كتب الأئمة دون الصحيحين .

        قال شيخ الإسلام : ليس المانع من إخراج هذا القسم في الصحيحين كون الرواية وقعت عن الأب عن الجد ، بل لكون الراوي أو أبيه ليس على شرطهما ، وإلا ففيهما أو في أحدهما ، من ذلك : رواية علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده ، ورواية محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده ، ورواية أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده ، ورواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده ، ورواية الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن جدهما ، ورواية حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده ، وغير ذلك .

        قال : وأما الأقسام المختلف فيها فهي : المرسل ، وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا [ ص: 156 ] سماعهم ، وما أسنده ثقة وأرسله ثقات ، وروايات الثقات غير الحفاظ العارفين ، وروايات المبتدعة إذا كانوا حاذقين .

        قال شيخ الإسلام : أما الأول والثاني فكما قال ، وأما الثالث فقد اعترض عليه العلائي ، بأن في الصحيحين عدة أحاديث اختلف في وصلها وإرسالها .

        قال شيخ الإسلام : ولا يرد عليه ؛ لأن كلامه فيما هو أعم من الصحيحين ، وأما الرابع فقال العلائي : هو متفق على قبوله والاحتجاج به إذا وجدت فيه شرائط القبول ، وليس من المختلف فيه ألبتة ، ولا يبلغ الحفاظ العارفون نصف رواة الصحيحين ، وليس كونه حافظا شرطا وإلا لما احتج بغالب الرواة .

        قال شيخ الإسلام : الحاكم إنما فرض الخلاف فيه بين أكثر أهل الحديث وبين أبي حنيفة ومالك . قال : وأما الخامس فكما ذكر من الاختلاف فيه ، لكن في الصحيحين أحاديث عن جماعة من المبتدعة عرف صدقهم واشتهرت معرفتهم بالحديث فلم يطرحوا للبدعة ، قال : وقد بقي عليه من الأقسام المختلف فيها ، رواية مجهول العدالة ، وكذا قال المصنف في شرح مسلم .

        وقال أبو علي الحسين بن محمد الجياني فيما حكاه المصنف : الناقلون سبع طبقات : ثلاث مقبولة وثلاث مردودة ، والسابعة مختلف فيها ، فالأولى من المقبولة : أئمة الحديث وحفاظهم ، يقبل تفردهم وهم الحجة على من خالفهم . والثانية : دونهم في الحفظ [ ص: 157 ] والضبط لحقهم بعض وهم ، والثالثة : قوم ثبت صدقهم ومعرفتهم لكن جنحوا إلى مذاهب الأهواء من غير أن يكونوا غلاة ولا دعاة .

        فهذه الطبقات احتمل أهل الحديث الرواية عنهم ، وعليهم يدور نقل الحديث ، والأولى من المردودة من وسم بالكذب ووضع الحديث ، والثانية من غلب عليه الوهم والغلط ، والثالثة قوم غلوا في البدعة ودعوا إليها ، فحرفوا الروايات ليحتجوا بها .

        وأما السابع المختلف فيه : فقوم مجهولون انفردوا بروايات ، فقبلهم قوم وردهم آخرون ، قال العلائي : وهذه الأقسام التي ذكرها ظاهرة ، لكنها في الرواة . انتهى .




        الخدمات العلمية