الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 181 ] فروع :

        أحدها : كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن ، وهو الذي شهره .

        وتختلف النسخ منه في قوله : حسن صحيح ونحوه ، فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة ، وتعتمد ما اتفقت عليه ، ومن مظانه سنن أبي داود ، فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه ، وما كان فيه وهن شديد بينه ، وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح ، فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود .

        التالي السابق


        [ فروع ]

        ( أحدها ) في مظنة الحسن ، كما ذكر في الصحيح مظانه ، وذكر في كل نوع مظانه من الكتب المصنفة فيه إلا يسيرا نبه عليه .

        ( كتاب ) أبي عيسى ( الترمذي أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره ) وأكثر من ذكره .

        قال ابن الصلاح : ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه ، والطبقة التي قبله كأحمد والبخاري وغيرهما .

        قال العراقي : وكذا مشايخ الطبقة التي قبل ذلك كالشافعي ، قال في اختلاف الحديث - عند ذكر حديث ابن عمر : لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا . الحديث - : حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد .

        وقال فيه أيضا ، وسمعت من يروي بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف ، الحديث .

        [ ص: 182 ] وكذا يعقوب بن شيبة في مسنده ، وأبو علي الطوسي أكثرا من ذلك إلا أنهما ألفا بعد الترمذي .

        ( وتختلف النسخ منه ) أي من كتب الترمذي ( في قوله حسن أو حسن صحيح ونحوه فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة ، وتعتمد ما اتفقت عليه . ومن مظانه ) أيضا ( سنن أبي داود فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه ، وما كان فيه وهن شديد بينه ، وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح ) ، قال : وبعضها أصح من بعض .

        ( فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ) ولم يكن في أحد الصحيحين ، ( ولم يصححه غيره من المعتمدين ) الذين يميزون بين الصحيح والحسن ( ولا ضعفه فهو حسن [ ص: 183 ] عند أبي داود ) لأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما ، ولا يرتقي إلى الصحة إلا بنص ، فالأحوط الاقتصار على الحسن ، وأحوط منه التعبير عنه بصالح . وبهذا التقرير يندفع اعتراض ابن رشيد بأن ما سكت عليه قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن كذلك عند غيره .

        وزاد ابن الصلاح أنه قد لا يكون حسنا عند غيره ، ولا مندرجا في حد الحسن ، إذ حكى ابن منده أنه سمع محمد بن سعد الباوردي يقول : كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجتمع على تركه ، قال ابن منده : وكذلك أبو داود يأخذ مأخذه ، ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره ؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال .

        وهذا أيضا رأي الإمام أحمد ، فإنه قال : إن ضعيف الحديث أحب إليه من [ ص: 184 ] رأي الرجال ؛ لأنه لا يعدل إلى القياس إلا بعد عدم النص ، وسيأتي في هذا البحث مزيد كلام ، حيث ذكر المصنف العمل بالضعيف ، فعلى ما نقل عن أبي داود يحتمل أن يريد بقوله " صالح " الصالح للاعتبار دون الاحتجاج ، فيشمل الضعيف أيضا ، لكن ذكر ابن كثير أنه روي عنه : وما سكت عنه فهو حسن . فإن صح ذلك فلا إشكال .



        [ تنبيه ]

        اعترض ابن سيد الناس ما ذكر في شأن سنن أبي داود فقال : لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن ، وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره ، أنه اجتنب الضعيف الواهي ، وأتى بالقسمين الأول والثاني ، وحديث من مثل به من الرواة من القسمين الأول والثاني موجود في كتابه دون القسم [ ص: 185 ] الثالث ، قال : فهلا ألزم مسلم من ذلك ما ألزم به أبو داود فمعنى كلامهما واحد ، قال : وقول أبي داود وما يشبهه ، يعني في الصحة ، ويقاربه ، يعني فيها أيضا ، هو نحو قول مسلم : ليس كل الصحيح يجده عند مالك وشعبة وسفيان ، فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم ، وعطاء بن السائب ويزيد بن زياد ، لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق ، وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان ، ولا فرق بين الطريقين ، غير أن مسلما شرط الصحيح ، فتحرج من حديث الطبقة الثالثة ، وأبا داود لم يشترطه فذكر ما يشتد وهنه عنده ، والتزم البيان عنه .

        قال : وفي قول أبي داود : إن بعضها أصح من بعض . ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة وإن تفاوتت ، لما يقتضيه صيغة أفعل في الأكثر ، وأجاب العراقي بأن مسلما التزم الصحيح ، بل المجمع عليه في كتابه ، فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه بأنه حسن عنده ، لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح ، وأبو داود قال : ما سكت عنه فهو صالح ، والصالح يشمل الصحيح والحسن ، فلا يرتقي إلى الأول إلا بيقين .

        وثم أجوبة أخرى : منها : أن العملين إنما تشابها في أن كلا منهما أتى بثلاثة أقسام ، لكنها في سنن [ ص: 186 ] أبي داود راجعة إلى متون الحديث ، وفي مسلم إلى رجاله ، وليس بين ضعف الرجل وصحة حديثه منافاة ، ومنها : أن أبا داود قال : ما كان فيه وهن شديد بينته ، ففهم أن ثم شيئا فيه وهن غير شديد لم يلتزم بيانه .

        ومنها : أن مسلما إنما يروي عن الطبقة الثالثة في المتابعات لينجبر القصور الذي في رواية من هو في الطبقة الثانية ؛ ثم إنه يقل من حديثهم جدا ، وأبو داود بخلاف ذلك .



        [ فوائد ]

        الأولى : من مظان الحسن أيضا سنن الدارقطني فإنه نص على كثير منه قاله في المنهل الروي .

        الثانية : عدة أحاديث كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث ، وهو روايات ، أتمها رواية أبي بكر بن داسة ، والمتصلة الآن بالسماع رواية أبي علي اللؤلؤي .

        الثالثة : قال أبو جعفر بن الزبير : أول ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون على اعتماده ، وذلك الكتب الخمسة والموطأ الذي تقدمها وضعا ولم يتأخر عنها رتبة .

        وقد اختلفت مقاصدهم فيها ، وللصحيحين فيها شفوف ، وللبخاري لمن أراد [ ص: 187 ] التفقه مقاصد جليلة ، ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره ، وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه غيره ، وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها .

        وقال الذهبي : انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما .




        الخدمات العلمية