الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب الإحصار ( وإذا أحصر المحرم بعدو أو أصابه مرض فمنعه عن المضي جاز له التحلل ) وقال الشافعي رحمه الله : ( لا يكون الإحصار إلا بالعدو ، لأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصر لتحصيل النجاة وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض ) .

                                                                                                        ولنا أن آية الإحصار وردت في الإحصار بالمرض بإجماع أهل اللغة فإنهم قالوا : الإحصار بالمرض والحصر بالعدو والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قبل امتداد الإحرام والحرج في الاصطبار عليه مع المرض أعظم .

                                                                                                        ( وإذا جاز له التحلل يقال له : ابعث شاة تذبح في الحرم وواعد من تبعثه بيوم بعينه يذبح فيه ثم تحلل ) وإنما يبعث إلى الحرم ; لأن دم الإحصار قربة ، والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان على ما مر فلا يقع قربة دونه فلا يقع به التحلل وإليه الإشارة بقوله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } [ ص: 278 ] فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم . وقال الشافعي رحمه الله : لا يتوقت به ; لأنه شرع رخصة والتوقيت يبطل التخفيف قلنا المراعى أصل التخفيف لا نهايته ، وتجوز الشاة ، لأن المنصوص عليه الهدي والشاة أدناه وتجزيه البقرة والبدنة أو سبعهما كما في الضحايا ، وليس المراد بما ذكرنا بعث الشاة بعينها ; لأن ذلك قد يتعذر بل له أن يبعث بالقيمة حتى تشترى الشاة هنالك وتذبح عنه ، وقوله ثم تحلل إشارة إلى أنه ليس عليه الحلق أو التقصير ، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف : عليه ذلك ولو لم يفعل لا شيء عليه ; لأنه عليه الصلاة والسلام حلق عام الحديبية وكان محصرا بها وأمر أصحابه رضي الله عنهم بذلك ، ولهما أن الحلق إنما عرف قربة مرتبا على أفعال الحج فلا يكون نسكا قبلها ، وفعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه ليعرف استحكام عزيمتهم على الانصراف .

                                                                                                        قال : ( وإن كان قارنا بعث بدمين ) لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين ( فإن بعث بهدي واحد ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما ) لأن التحلل منهما شرع في حالة واحدة .

                                                                                                        [ ص: 272 - 277 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 272 - 277 ] باب الإحصار

                                                                                                        الحديث الأول : روي { أنه عليه السلام حلق عام الحديبية ، وكان محصرا بها ، وأمر أصحابه بذلك }; قلت : تقدم ; وروى البخاري في " الشهادات " عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا ، فحال كفار قريش بينه وبين البيت ، فنحر هديه ، وحلق رأسه [ ص: 278 ] بالحديبية ، وقاضاهم على أن يعتمر العام القابل ، ولا يحمل سلاحا ، ولا يقيم فيها إلا ما أحبوا ، فاعتمر من العام القابل ، فدخلها كما كان صالحهم ، فلما أقام بها ثلاثا ، أمروه أن يخرج ، فخرج } ، انتهى .

                                                                                                        وأخرج البخاري ، ومسلم أيضا عنه ، قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر النبي عليه السلام هديه ، وحلق رأسه }انتهى .

                                                                                                        وأخرج البخاري عن ابن عباس ، قال : { أحصر النبي عليه السلام ، [ ص: 279 ] فحلق ، وجامع نساءه ، ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا ، وحلق أصحابه } ، تقدم في حديث المسور ، ومروان { أنه عليه السلام قال لأصحابه : قوموا فانحروا ، ثم احلقوا ، إلى أن قال : فخرج حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا } ، الحديث ; وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا محمد بن عمرو بن تمام حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني ميمون بن يحيى عن مخرمة بن بكير عن أبيه ، قال : سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول : قال ابن عمر : { لما حبس كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة عن البيت ، نحر هديه ، وحلق هو وأصحابه ، ثم رجعوا حتى اعتمروا العام القابل }انتهى .

                                                                                                        قوله : روي عن ابن عمر ، وابن عباس أن المحصر بالحج إذا تحلل ، فعليه حجة وعمرة ; قلت : ذكره أبو بكر الرازي عن ابن عباس ، وابن مسعود لا غير .

                                                                                                        الحديث الثاني : روي { أنه عليه السلام ، وأصحابه أحصروا بالحديبية ، وكانوا عمارا }; قلت : تقدم أول الباب ، واحتج الشيخ في " الإمام " أيضا على مالك بما أخرجه البخاري في " صحيحه " [ ص: 280 ] عن مالك عن نافع { عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا ، فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بعمرة من أجل أن النبي عليه السلام كان أهل بعمرة عام الحديبية }انتهى .

                                                                                                        وروى الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا فهد ثنا علي بن معبد بن شداد العبدي صاحب محمد بن الحسن ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن إبراهيم عن علقمة ، قال : لدغ صاحب لنا ، وهو محرم بعمرة ، فذكرناه لابن مسعود ، فقال : يبعث بهدي ، ويواعد أصحابه موعدا ، فإذا نحر عنه حل انتهى . وبه إلى جرير عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله : ثم عليه عمرة بعد ذلك انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية