الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 288 - 289 ] باب الحج عن الغير

                                                                                                        الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو غيرها عند أهل السنة والجماعة لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام { أنه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته ممن أقر بوحدانية الله تعالى وشهد له بالبلاغ }جعل تضحية إحدى الشاتين لأمته ، والعبادات أنواع : مالية محضة كالزكاة ، وبدنية محضة كالصلاة ، ومركبة منهما [ ص: 290 ] كالحج ، والنيابة تجري في النوع الأول في حالتي الاختيار والضرورة لحصول المقصود بفعل النائب ، ولا تجري في النوع الثاني بحال ; لأن المقصود وهو إتعاب النفس لا يحصل به ، وتجري في النوع الثالث عند العجز للمعنى الثاني وهو المشقة بتنقيص المال ، ولا تجري عند القدرة لعدم إتعاب النفس ، والشرط : العجز الدائم إلى وقت الموت ; لأن الحج فرض العمر ، وفي الحج النفل تجوز الإنابة حالة القدرة لأن باب النفل أوسع . [ ص: 291 - 295 ] ثم ظاهر المذهب أن الحج يقع عن المحجوج عنه وبذلك تشهد الأخبار الواردة في الباب كحديث الخثعمية فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيه { حجي عن أبيك واعتمري }وعن محمد رحمه الله : أن الحج يقع عن الحاج وللآمر ثواب النفقة ; لأنه عبادة بدنية وعند العجز أقيم الإنفاق مقامه كالفدية في باب الصوم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب الحج عن الغير

                                                                                                        الحديث الأول : روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبشين أملحين موجوءين : أحدهما : عن نفسه ; والآخر : عن أمته ، ممن أقر بوحدانية الله تعالى ، وشهد للنبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 290 ] بالبلاغ }; قلت : روي من حديث عائشة ، وأبي هريرة ; ومن حديث جابر ; ومن حديث أبي رافع ; ومن حديث حذيفة بن أسيد الغفاري ; ومن حديث أبي طلحة الأنصاري ; ومن حديث أنس .

                                                                                                        فحديث عائشة ، وأبي هريرة : رواه ابن ماجه في " سننه " من طريق عبد الرزاق أنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة ، أو أبي هريرة : { أن النبي عليه السلام كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين ، فذبح أحدهما عن أمته ممن شهد لله بالتوحيد ، وشهد له بالبلاغ ، وذبح الآخر عن محمد ، وآل محمد }انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه أحمد في " مسنده " ; ورواه أحمد أيضا : حدثنا إسحاق بن يوسف أنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ; ورواه أيضا : حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أو عائشة ، فذكره ; ورواه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد بهذا الإسناد الأخير ، وسكت عنه ; ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من طريق ابن وهب حدثني عبد الله بن عياش القتباني ثنا عيسى بن عبد الرحمن حدثني ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، فذكره ; وأخرج أبو نعيم في " الحلية في ترجمة عبد الله بن المبارك " عنه عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه ، سمعت أبا هريرة يقول : { ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين ، فقرب أحدهما ، فقال : اللهم منك ، ولك ، اللهم هذا عن محمد ، وأهل بيته ; ثم قرب الآخر ، فقال : بسم الله ، اللهم هذا منك ، ولك ، اللهم هذا عمن وحدك من أمتي }انتهى .

                                                                                                        وقال : مشهور من غير وجه ، غريب من حديث يحيى انتهى . [ ص: 291 ]

                                                                                                        وأما حديث جابر : فأخرجه أبو داود ، وابن ماجه من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش ، المعافري عن جابر بن عبد الله ، قال : { ذبح النبي عليه السلام يوم النحر كبشين أقرنين أملحين موجوءين ، فلما وجههما قال : { إني وجهت وجهي }الآية ، اللهم لك ، ومنك ، عن محمد ، وأمته ، بسم الله ، والله أكبر ; ثم ذبح }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، إلا أني لم أجد في متن الحاكم قوله : { أملحين أقرنين موجوءين }; ورواه ابن أبي شيبة في " مسنده " أتم منهم ، فقال : حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه { أن النبي عليه السلام أتى بكبشين أملحين عظيمين أقرنين موجوءين ، فأضجع أحدهما ، وقال : بسم الله ، الله أكبر ، اللهم عن محمد ، وآل محمد ; ثم أضجع الآخر ، وقال : بسم الله ، الله أكبر ، اللهم عن محمد ، وأمته ممن شهد لك بالتوحيد ، وشهد لي بالبلاغ }انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه إسحاق بن راهويه . وأبو يعلى الموصلي في " مسنديهما " .

                                                                                                        وأما حديث أبي رافع : فرواه أحمد ، وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " ، والطبراني في " معجمه " من حديث شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين عن أبي رافع . قال : { ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين خصيين ، وقال : أحدهما عمن شهد لله بالتوحيد ، وله بالبلاغ ، والآخر عنه وعن أهل بيته } ، قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كفانا ، انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد أيضا ، والبزار في " مسنديهما " ، والحاكم في " المستدرك في تفسير سورة الحج " عن زهير بن محمد عن ابن عقيل به { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أملحين أقرنين ، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما ، وهو قائم في مصلاه ، فذبحه بنفسه ، ويقول : عن محمد ، وآل محمد ، فيطعمهما جميعا المساكين ، ويأكل هو وأهله ، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي ، قد كفاه الله المؤنة والغرم برسول الله صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        قال الحاكم : حديث [ ص: 292 ] صحيح الإسناد ، لم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : زهير بن محمد له مناكير ، وابن عقيل ليس بالقوي انتهى .

                                                                                                        وأما حديث حذيفة بن أسيد : فأخرجه الحاكم في " المستدرك في الفضائل " عن عبد الله بن شبرمة عن الشعبي عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرب كبشين أملحين ، فيذبح أحدهما ، ويقول : اللهم هذا عن محمد ، وآل محمد ، ويقرب الآخر ، فيقول : اللهم هذا عن أمتي بمن شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ }انتهى . وسكت عنه .

                                                                                                        وأما حديث أبي طلحة : فرواه ابن أبي شيبة في " مسنده " حدثنا عبد الله بن بكر عن حميد عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي طلحة الأنصاري ، واسمه : زيد بن سهل { أن النبي عليه السلام ضحى بكبشين أملحين ، فقال عند الأول : عن محمد ، وآل محمد ، وقال عند الثاني : عمن آمن بي وصدقني من أمتي }انتهى . ومن طريق ابن أبي شيبة : رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " .

                                                                                                        وأما حديث أنس : فرواه ابن أبي شيبة في " مسنده " أيضا حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن أنس ، قال : { ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، قرب أحدهما ، فقال : بسم الله ، اللهم منك ولك ، هذا عن محمد ، وأهل بيته ، ثم قرب الآخر فقال : بسم الله ، اللهم منك ولك ، هذا عمن وحدك من أمتي }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي سحيم المبارك بن سحيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بنحوه ، قال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل " : سألت أبي ، وأبا زرعة عن حديث رواه المبارك بن فضالة عن عبد الله بن عقيل عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءين }; ورواه أيضا حماد بن سلمة عن ابن عقيل عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه ; ورواه الثوري عن ابن عقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أو عائشة عن النبي عليه السلام ; ورواه عبيد الله بن عمرو ، وسعيد بن سلمة [ ص: 293 ] عن ابن عقيل عن علي بن حسين عن أبي رافع ، فقال أبو زرعة : هذا كله من ابن عقيل ، فإنه لا يضبط حديثه ، والذين رووا عنه هذا الحديث كلهم ثقات ، انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : وقد روي عن النبي عليه السلام من وجه لا يثبت مثله { أنه ضحى بكبشين ، فقال في أحدهما : اللهم عن محمد ، وآل محمد ، وقال في الآخر : اللهم عن محمد ، وأمة محمد }; قال البيهقي : وهذا إنما رواه عبد الله بن محمد بن عقيل ، واختلف عليه فيه ، فرواه عنه الثوري عن أبي سلمة عن عائشة ، أو أبي هريرة ، وقال مرة : عن أبي هريرة ، ولم يقل : أو عائشة ; ورواه عنه حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه ، ورواه عنه زهير بن محمد عن علي بن الحسين عن أبي رافع ، قال البخاري : ولعله سمعه من هؤلاء انتهى .

                                                                                                        أحاديث الحج عن الغير : استدل على جواز حج الصرورة عن الغير ، وحج النفل قبل الفرض ، بحديث الخثعمية ، أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " ، وأبو داود عن عبد الله بن عباس ، والباقون عن أخيه الفضل بن عباس { أن امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج ، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير ، قال : حجي عنه }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس ، قال : { سمع النبي عليه السلام رجلا يلبي عن نبيشة ، فقال : أيها الملبي عن نبيشة ، هل حججت ؟ قال : لا ، قال : فهذه عن نبيشة ، وحج عن نفسك }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وهذا وهم ، وإنما هو عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام سمع رجلا يلبي عن شبرمة ، فقال له عليه السلام : من شبرمة ؟ قال : أخ لي ، قال : هل حججت ؟ قال : لا ، قال : فحج عن نفسك ، ثم احجج عن شبرمة }.

                                                                                                        قال : وقد رجع الحسن بن عمارة عن ذلك ، وحدث به على الصواب ، موافقا لرواية غيره ، ثم أخرجه عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال له عليه السلام : من شبرمة ؟ }إلى آخره . قال : وعلى كل حال فالحسن بن عمارة متروك انتهى .

                                                                                                        حديث المانعين : وهو حديث شبرمة ، أخرجه أبو داود ، وابن ماجه عن عبدة بن [ ص: 294 ] سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام سمع رجلا } ، إلى آخره ; ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والأربعين ، من القسم الأول : قال ابن حبان : وقوله : { اجعل هذه عن نفسك }أمر وجوب ، وقوله : { ثم حج عن شبرمة }أمر إباحة انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طرق عديدة ضعيفة ، أضربنا عن ذكرها لعدم الاحتياج إليها ، مع أن هذه الطرق الصحيحة أيضا قد أعلت ، قال ابن القطان في " كتابه " : وحديث شبرمة علله بعضهم بأنه قد روي موقوفا ، والذي أسنده ثقة ، فلا يضره ، وذلك ; لأن سعيد بن أبي عروبة يرويه عن قتادة عن عزرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وأصحاب ابن أبي عروبة يختلفون عليه ، فقوم يرفعونه : منهم عبدة بن سليمان ، ومحمد بن بشر الأنصاري ، وقوم يقفونه : منهم غندر ، وحسن بن صالح ، والرافعون ثقات ، فلا يضرهم وقف الواقفين ، إما لأنهم حفظوا ما لم يحفظ أولئك ، وإما لأن الواقفين رووا عن ابن عباس رأيه ، والرافعين رووا عنه روايته ، والراوي قد يفتي بما يرويه ، انتهى .

                                                                                                        وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وعلل هذا الحديث بوجوه : أحدها : الاختلاف في رفعه ووقفه ، فعبدة بن سليمان يرفعه ، وهو محتج به في " الصحيحين " ، وتابعه على رفعه محمد بن عبد الله الأنصاري ، ومحمد بن بشر ; وقال البيهقي : وهذا إسناده صحيح ، ليس في الباب أصح منه ; وقال يحيى بن معين : أصح وأثبت الناس سماعا من سعيد بن أبي عروبة عبدة بن سليمان ; ورواه غندر عن سعيد ، فوقفه ، ورواه أيضا سعيد بن منصور ثنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة سمع ابن عباس رجلا يلبي عن شبرمة ، فذكره موقوفا ، وفيه مع زيادة الوقف استبعاد تعدد القضية ، بأن تكون وقعت في زمان النبي عليه السلام ، وفي زمن ابن عباس على سياق واحد ، واتفاق لفظ ; والثاني الإرسال ، فإن سعيد بن منصور رواه عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ; ورواه أيضا حدثنا هشيم أنا ابن أبي ليلى ثنا عطاء بن أبي رباح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                        والثالث : أن قتادة لم يقل فيه : حدثنا ، ولا سمعت ، وهو إمام في التدليس ; وقال ابن المفلس في " كتابه " : وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث ، فقال : إن سعيد بن أبي عروبة كان يحدث به بالبصرة ، فيجعل هذا الكلام من قول ابن عباس ، ولا يسنده إلى النبي عليه السلام ، وكان يحدث به [ ص: 295 ] بالكوفة ، فيجعل الكلام من قول النبي عليه السلام قالوا أيضا : فقتادة لم يقل فيه : حدثنا ، ولا سمعت ، وهو كثير التدليس ، قالوا : وأيضا فقد روي هذا الحديث عن هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ; ورواه ابن جريج ، وهو أثبت من أبي ليلى ، فلم يقل فيه : عن عائشة ، وأرسله ; ورواه أبو قلابة عن ابن عباس ، وأبو قلابة لم يسمع من ابن عباس شيئا ، قالوا : فالخبر بذلك غير ثابت انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : وقد تابع عبدة بن سليمان على رفعه أبو يوسف القاضي ، ومحمد بن بشر العبدي ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد به ; ورواه الحسن بن صالح بن حيي ، ومحمد بن جعفر غندر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا ، ولم يذكر عزرة في إسناده ; وكذلك رواه عمرو بن الحارث المصري عن قتادة ، وقال في روايته : عن قتادة أن سعيد بن جبير حدثه ، وذلك معدود في أوهامه ، فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير فيما قاله يحيى بن معين ، وغيره انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني : قال المصنف : ثم ظاهر المذهب أن الحج يقع عن المحجوج عنه ، وبذلك تشهد الأخبار الواردة في الباب ، لحديث الخثعمية ، فإنه عليه السلام ، قال فيه : { حجي عن أبيك واعتمري }; قلت : هذا وهم من المصنف ، فإن حديث الخثعمية ليس فيه [ ص: 296 ] ذكر الاعتمار ، أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " ، رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عباس ; ورواه الباقون من حديث أخيه الفضل بن العباس ، { أن امرأة من خثعم قالت : [ ص: 297 ] يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج ، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير ، قال : حجي عنه ، وذلك في حجة الوداع } ، وفي بعض طرقه : { هل يقضي أن أحج عنه ؟ }انتهى .

                                                                                                        ورواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي من حديث ابن عباس { أن امرأة من خثعم } ، وفي لفظ : قال : { كان الفضل رديف النبي عليه السلام } ، فالبعض جعله من مسند الفضل ، والبعض جعله من مسند أخيه عبد الله ، ولم يحسن شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره في قوله : أخرجه الجماعة عن ابن عباس ، والله أعلم ; قال الترمذي : وسألت محمدا عن هذه الرواية ، فقال لي : أصح شيء في هذا الباب ما رواه ابن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي عليه السلام ، قال محمد : ويحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أرسله ، فلم يذكر من سمعه منه انتهى كلامه ، والله أعلم .

                                                                                                        أحاديث الباب : وأخرج ابن ماجه عن محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال : حدثني { حصين بن عوف ، قلت : يا رسول الله إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج إلا معترضا ، فصمت ساعة ، ثم قال : حج عن أبيك }انتهى . قال العقيلي : قال أحمد : محمد بن كريب منكر الحديث انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البيهقي عن محمد بن سيرين عن ابن عباس ; أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ; قال البيهقي : رواية ابن سيرين عن ابن عباس مرسلة ; وقال صاحب " التنقيح " : قال أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وابن المديني : لم يسمع ابن سيرين من ابن عباس ; وقال : وقد روى البخاري في " صحيحه " حديثا من [ ص: 298 ] رواية ابن سيرين عن ابن عباس ، فالله أعلم انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } : تقدم حديث أبي رزين العقيلي ، أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي { رجل من بني عامر قال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ، ولا العمرة ، ولا الظعن ، قال : حج عن أبيك واعتمر }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، واسم أبي رزين لقيط بن عامر انتهى . ورواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " في النوع السبعين ، من القسم الأول ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط الشيخين .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الطبراني في " معجمه " أخبرنا علي بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم عن عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ثنا منصور بن المعتمر عن مجاهد عن يوسف بن الزبير عن أبي الزبير عن سودة أم المؤمنين ، { أن رجلا قال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ، لا يستطيع الحج ، أفأحج عنه ؟ فقال عليه السلام : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان يجزئ عنه ؟ فقال : نعم ، قال : حج عنه }انتهى . قال الشيخ في " الإمام " : وعبد العزيز بن عبد الصمد أبو عبد الصمد العمي حدث عنه أحمد وقال : كان ثقة ، ووثقه أبو زرعة أيضا ، وذكره ابن حبان في " الثقات " أتباع التابعين ، وروى له في " صحيحه " ، ويوسف بن الزبير مولى عبد الله بن الزبير ذكره ابن أبي حاتم من غير جرح ولا تعديل ، والله أعلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البيهقي عن شعيب بن زريق سمعت عطاء الخراساني { عن أبي الغوث بن الحصين الخثعمي ، قال : قلت : يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج ، وهو شيخ كبير لا يتمالك على الراحلة ، أفترى أن أحج عنه ؟ قال . : نعم حج عنه ، [ ص: 299 ] قال : وكذلك من مات من أهلنا ، ولم يوص بحج ، أفيحج عنه ؟ قال : نعم ، وتؤجرون ، قال : ويتصدق عنه ويصام عنه ؟ قال : نعم ، والصدقة أفضل }انتهى . قال البيهقي : إسناده ضعيف .




                                                                                                        الخدمات العلمية