الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل فيمن لا يكون خصما ( وإن قال المدعى عليه : هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب ، أو رهنه [ ص: 171 ] عندي أو غصبته منه وأقام بينته على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي ) وكذا إذا قال : أجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة . وقال ابن شبرمة : لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ، ودفع الخصومة بناء عليه . قلنا : مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب ، ولا خصم فيه فلم يثبت ، ودفع خصومة المدعي ، وهو خصم فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة كإقامتها البينة على الطلاق كما بيناه من قبل ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى ; لأنه صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بالحجة كما إذا ادعى تحول الدين من ذمته إلى ذمة غيره .

                                                                                                        ( وقال أبو يوسف رحمه الله آخرا : إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلناه ، وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة ) لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه ، ويشهد عليه الشهود ، فيحتال لإبطال حق غيره فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله .

                                                                                                        ( ولو قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة ) لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي ، ولأنه ما أحاله إلى معين يمكن المدعي اتباعه ، فلو اندفعت لتضرر به المدعي ، ولو قالوا : نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد رحمه الله للوجه الثاني . وعند أبي حنيفة رحمه الله تندفع لأنه أثبت ببينته أن العين وصل إليه من جهة غيره حيث عرفه الشهود بوجهه ، بخلاف الفصل الأول فلم تكن يده يد خصومة وهو المقصود ، والمدعي هو الذي أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده دون المدعى عليه ، وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وقد ذكرنا الأقوال الخمسة ( وإن قال : ابتعته من الغائب فهو خصم ) لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما ( وإن قال المدعي : غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة ، وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة ) لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده ، بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على [ ص: 172 ] غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية