الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل

                                                                                                        قال : ( وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص ووجب المال قليلا كان أو كثيرا ) لقوله تعالى: { فمن عفي له من أخيه شيء }الآية على ما قيل نزلت الآية في الصلح وقوله عليه الصلاة والسلام : { من قتل له قتيل }الحديث ، والمراد والله أعلم الأخذ بالرضا على ما بيناه وهو الصلح بعينه ، ولأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا ، فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثير فيه سواء ، لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو حال ، لأنه مال واجب بالعقد ، والأصل في أمثاله الحلول نحو المهر والثمن بخلاف الدية لأنها ما وجبت بالعقد .

                                                                                                        [ ص: 355 - 356 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 355 - 356 ] الحديث الثاني : قال عليه السلام : { من قتل له قتيل } ، الحديث . قلت : أخرجه [ ص: 357 ] الأئمة الستة في " كتبهم " عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : { لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لا تحل لأحد قبلي ، وإنها أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لا تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ، ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين : إما أن يعطى الدية ، وإما أن يقاد أهل القتيل }انتهى . هذا لفظ مسلم في " كتاب الحج في باب تحريم مكة " ، ولفظ البخاري في " كتاب العلم " : { إما أن يعقل ، وإما أن يقاد أهل القتيل } ، ولفظه في " اللقطة " { إما أن يفدى ، وإما أن يقيد } ، ولفظه في " الديات " : { إما أن يودى ، وإما أن يقاد } ، ولفظ الترمذي : إما أن يعفو ، وإما أن يقتل ، ولفظ النسائي في " القود " : { إما أن يقاد ، وإما أن يفدى } ، ولفظ ابن ماجه : { إما أن يقتل ، وإما أن يفدى } ، قال البيهقي في " المعرفة " : وهذا الاختلاف وقع من أصحاب يحيى بن أبي كثير ، والموافق منها بحديث أبي شريح أولى انتهى .

                                                                                                        وحديث أبي شريح أخرجه أبو داود ، والترمذي عن أبي شريح الخزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وإني عاقلته ، فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل ، فأهله بين خيرتين : إما أن يأخذوا العقل أو يقتلوا }انتهى . قال أبو داود : حدثنا مسدد ، وقال الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، قالا : ثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد ، سمعت أبا شريح ، فذكره ، [ ص: 358 ] وأخرجه ابن ماجه ، وأبو داود أيضا عن ابن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أصيب بدم ، أو خبل ، والخبل : الجرح ، فهو بالخيار بين إحدى ثلاث : أن يقتل ، أو يعفو ، أو يأخذ الدية } ، مختصر . قال السهيلي : في " الروض الأنف " : حديث : { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين } ، اختلفت ألفاظ الرواة فيه على ثمانية ألفاظ : أحدها : إما أن يقتل ، وإما أن يفادي ; الثاني : إما أن يعقل أو يقاد ; الثالث : إما أن يفدى ، وإما أن يقتل : الرابع إما أن يعطى الدية ، وإما أن يقاد أهل القتيل ; الخامس : إما أن يعفو أو يقتل ; السادس : يقتل أو يفادى ; السابع : { من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوا ، وإن شاءوا أخذوا الدية }; الثامن : إن شاء فله دمه ، وإن شاء فعقله ، وهو حديث صحيح ، وظاهره أن ولي الدم ، وهو المخير إن شاء أخذ الدية ، وإن شاء قتل ، وقد أخذ الشافعي بظاهره ، وقال : لو اختار ولي المقتول الدية ، وأبى القاتل إلا القصاص ، أجبر القاتل على الدية . ولا خيار له ، وقالت طائفة : لا يجبر ، وتأولوا الحديث ، قال : ومنشأ الخلاف من الإجمال في قوله تعالى: { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف }فاحتملت الآية عند قوم أن يكون ( من ) واقعة على القاتل ، و { عفي }من العفو عن الدم ، ولا خلاف أن المتبع بالمعروف هو ولي الدم ، وأن المأمور بالأداء بإحسان هو القاتل ، وإذا تدبرت الآية عرفت منشأ الخلاف ، ولاح لك من سياق الكلام أي القولين أولى بالصواب ، انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية