الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( والسائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها ، والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها ) والمراد النفحة . قال رضي الله عنه : هكذا ذكره القدوري رحمه الله في مختصره ، وإليه مال بعض المشايخ . ووجهه أن النفحة بمرأى عين السائق فيمكنه الاحتراز عنه وغائب عن بصر القائد فلا يمكنه التحرز عنه . وقال أكثر المشايخ : إن السائق لا يضمن النفحة أيضا وإن كان يراها ، إذ ليس على رجلها ما يمنعها به ، فلا يمكنه التحرز عنه ، بخلاف الكدم لإمكانه كبحها بلجامها ، وبهذا ينطق أكثر النسخ وهو الأصح . وقال الشافعي رحمه الله : يضمنون النفحة كلهم لأن فعلها مضاف إليهم والحجة عليه ما ذكرنا . وقوله عليه الصلاة والسلام : { الرجل جبار }ومعناه النفحة بالرجل وانتقال الفعل بتخويف القتل كما في المكره ، وهذا تخويف بالضرب .

                                                                                                        قال : ( وفي الجامع الصغير وكل شيء ضمنه الراكب ضمنه السائق والقائد ) لأنهما مسببان بمباشرتهما شرط التلف وهو تقريب الدابة إلى مكان الجناية فيتقيد بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه كالراكب .

                                                                                                        قال : ( إلا أن على الراكب الكفارة ) فيما أوطئته الدابة بيدها أو برجلها . قال : ( ولا كفارة عليها ) ولا على الراكب فيما وراء الإيطاء لأن الراكب مباشر فيه ، لأن التلف بثقله وثقل الدابة تبع له لأن سير الدابة مضاف إليه وهي آلة له هما مسببان لأنه لا يتصل منهما إلى المحل شيء ، وكذا الراكب في غير الإيطاء والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبب ، وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد لأنه يختص بالمباشرة .

                                                                                                        قال : ( ولو كان راكب وسائق ، قيل لا يضمن السائق ما أوطئت [ ص: 437 ] الدابة ) لأن الراكب مباشر فيه لما ذكرناه والسائق مسبب والإضافة إلى المباشر أولى ، وقيل الضمان عليهما لأن كل ذلك سبب الضمان .

                                                                                                        قال : ( وإذا اصطدم فارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر ) وقال زفر والشافعي رضي الله عنهما : يجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر ، لما روي ذلك عن علي رضي الله عنه ولأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه لأنه بصدمته آلم نفسه وصاحبه ، فيهدر نصفه ويعتبر نصفه كما إذا كان الاصطدام عمدا أو جرح كل واحد منهما نفسه وصاحبه جراحة أو حفرا على قارعة الطريق بئرا فانهار عليهما يجب على كل واحد منهما النصف ، فكذا هذا . ولنا أن الموت يضاف إلى فعل صاحبه ، لأن فعله في نفسه مباح وهو المشي في الطريق فلا يصلح مستندا للإضافة في حق الضمان كالماشي إذا لم يعلم بالبئر ووقع فيها لا يهدر شيء من دمه وفعل صاحبه وإن كان مباحا لكن الفعل المباح في غيره سبب للضمان كالنائم إذا انقلب على غيره ، وروي عن علي رضي الله عنه : أنه أوجب على كل واحد منهما كل الدية فتعارضت روايتاه فرجحنا بما ذكرنا ، وفيما ذكر من المسائل الفعلان محظوران فوضح الفرق ، هذا الذي ذكرنا إذا كانا حرين في العمد والخطإ ، ولو كانا عبدين يهدر الدم في الخطإ لأن الجناية تعلقت برقبته دفعا وفداء وقد فاتت لا إلى خلف من غير فعل المولى فهدر ضرورة ، وكذا في العمد لأن كل واحد منهما هلك بعدما جنى ولم يخلف بدلا ، ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا ، ففي الخطإ تجب على عاقلة الحر المقتول قيمة العبد فيأخذها ورثة المقتول الحر ، ويبطل حق الحر المقتول في الدية فيما زاد على القيمة لأن أصل أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما تجب القيمة على العاقلة ، لأنه ضمان الآدمي فقد أخلف بدلا بهذا القدر فيأخذه ورثة الحر المقتول ، ويبطل ما زاد عليه لعدم الخلف ، وفي العمد يجب على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لأن المضمون هو النصف في العمد ، وهذا القدر يأخذه ولي المقتول وما على العبد في رقبته وهو نصف دية الحر يسقط بموته إلا قدر ما أخلف من البدل [ ص: 438 ] وهو نصف القيمة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب جناية البهيمة ، والجناية عليها

                                                                                                        قوله : روي عن علي رضي الله عنه في فارسين اصطدما أنه أوجب على كل واحد منهما نصف دية : الآخر ; وروي عنه أنه أوجب على كل واحد منهما كل دية الآخر ; قلت : الأول : غريب ، والثاني : رواه عبد الرزاق في " مصنفه في القسامة " أخبرنا أشعث عن الحكم عن علي أن رجلين صدم أحدهما صاحبه ، فضمن كل واحد منهما [ ص: 435 ] صاحبه يعني الدية انتهى .

                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن حماد عن إبراهيم عن علي في فارسين اصطدما ، فمات أحدهما أنه ضمن الحي للميت انتهى .

                                                                                                        حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأشعث عن الحكم عن علي في الفارسين يصطدمان ، قال : يضمن الحي دية الميت انتهى . [ ص: 436 ]

                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { العجماء جبار } ، ويوجد في بعض النسخ : { والرجل جبار }; قلت : الأول : رواه الأئمة الستة ، فرووه إلا البخاري عن سفيان بن عيينة [ ص: 437 ] عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، وأخرجوه إلا أبا داود [ ص: 438 ] وابن ماجه عن الليث بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : قال [ ص: 439 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : { العجماء جرحها جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز [ ص: 440 ] الخمس }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه البخاري في " الديات " ، ومسلم في " الحدود " ، والترمذي في " الأحكام " ، والنسائي في " الزكاة " ، وأبو داود ، وابن ماجه في " الديات " ، قال أبو داود : العجماء المنفلتة التي لا يكون معها أحد ، وتكون بالنهار ، ولا تكون بالليل انتهى .

                                                                                                        وقال ابن ماجه : الجبار : الهدر الذي لا يغرم انتهى . وفي " الموطإ " قال مالك : الجبار ، أي لا دية فيه ، انتهى . الحديث الثاني :

                                                                                                        أخرجه أبو داود في " الديات " ، والنسائي في " العارية " عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الرجل جبار }انتهى . وأخرجه الدارقطني في " سننه " ، وقال : لم يروه غير سفيان بن حسين ، وهو وهم لم يتابعه عليه أحد ، وخالفه الحفاظ عن الزهري : معهم مالك ، ويونس ، وسفيان بن عيينة ، ومعمر ، وابن جريج ، والزبيدي ، وعقيل ، والليث بن سعد ، وغيرهم . وكلهم رووه عن الزهري : العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، ولم يذكروا الرجل ، وهو الصواب انتهى .

                                                                                                        وقال الخطابي : تكلم الناس في هذا الحديث ، وقيل : إنه غير محفوظ ، وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ انتهى .

                                                                                                        وقال المنذري في " مختصر السنن " : وسفيان بن حسين أبو محمد السلمي الواسطي استشهد به البخاري ، وأخرج له مسلم في " المقدمة " ، ولم يحتج به واحد منهما ، وفيه مقال انتهى . [ ص: 441 ] طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني في " موضعين في الجنايات " عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا ، نحوه سواء ، قال الدارقطني : تفرد به آدم بن أبي إياس ، وهو وهم ، لم يتابعه عليه أحد عن شعبة انتهى . طريق آخر :

                                                                                                        رواه محمد بن الحسن في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد عن إبراهيم النخعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : العجماء جبار ، والقليب جبار ، والرجل جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس }انتهى . وهو معضل .




                                                                                                        الخدمات العلمية